للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أموالكم، ولا الشَّرَفَ فيكم، ولا الملك عليكم، ولكنَّ اللهَ بعثني إليكم رسولًا، وأنزل عليَّ كتابًا، وأمرني أنْ أكونَ لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلَّغتكم رسالةَ ربِّي ونصحتُ لكم، فإنْ تقبلوا مني ما جئتُكم به فهو حظُّكم من (١) الدنيا والآخرة، وإنْ تردُّوه عليّ أصبرْ لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم" -أو كما قال رسول الله - فقالوا: يا محمد، فإنْ كنتَ غيرَ قابلٍ منَّا ما عرَضْنا عليك فقد علمتَ أنَّه ليس أحدٌ من الناس أضيقَ بلادًا، ولا أقلَّ مالًا (٢)، ولا أشدَّ عيشًا منّا. فسَلْ لنا ربَّك الذي بعثك بما بعثك به، فَلْيُسَيِّرْ عنَّا هذه الجبالَ التي قد ضيَّقت علينا، ولْيَبْسُطْ لنا بلادنا، وليجر (٣) فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعثْ لنا مَنْ مَضَى من آبائنا، وليكُنْ فيمن (٤) يبعث لنا منهم قصيُّ بن كلاب، فإنَّه كان شيخًا صدوقًا، فنسألَهم عمَّا تقول أحقٌّ هو أم باطل؟ فإنْ فعلت ما سألناك وصدَّقوك صدَّقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولًا كما تقول. فقال لهم رسولُ الله : "ما بهذا بُعثت، إنما جئتُكم من عند الله بما بعثني به فقد بلَّغْتُكم ما أُرسلتُ به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردُّوا عليَّ أصبرْ لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم".

قالوا: فإنْ لم تفعل لنا هذا فخُذْ لنفسك فسلْ ربَّك أن يبعث لنا ملَكًا يصدِّقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لنا (٥) جِنانًا وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة، ويُغنيك عمَّا نراك تبتغي، فإنَّك تقومُ في الأسواق وتلتمس المعايش كما نلتمسُه، حتى نعرف فضلَ منزلتك من ربِّك إنْ كنتَ رسولًا كما تزعم. فقال لهم: "ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسألُ ربَّه هذا، وما بُعثتُ إليكم بهذا، ولكنَّ الله بعثني بشيرًا ونذيرًا، فإنْ تقبلوا ما جئتُكم به فهو حظُّكم في الدنيا والآخرة. وإن تردُّوه عليَّ أصبرْ لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم".

قالوا: فأسقطِ السماء كما زعمت أنَّ ربَّك إن شاء فعل، فإنَّا لن نؤمن لك إلا أنْ تفعل. فقال: "ذلك إلى الله إنْ شاء فعل بكم ذلك" فقالوا: يا محمد، ما علم ربُّك أنَّا سنجلسُ معك ونسألك عما سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيتقدَّم إليك ويعلمك ما تُراجعنا به، ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذا لم نقبلْ منك ما جئتنا به؟ فقد بلغنا أنه إنما يعلِّمك هذا رجلٌ باليمامة يقال له الرحمن، وإنا والله لا نؤمنُ بالرحمن أبدًا؛ فقد أعْذَرْنا إليك يا محمد، أما والله لا نتركُك وما فعلت بنا حتى نهلكَكَ أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهم (٦) بناتُ الله، وقال قائلُهم: لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله (٧) والملائكة قَبيلًا.


(١) في سيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام والروض: في.
(٢) في سيرة ابن إسحاق وسيرة ابن هشام والروض: ماءً. وهو أشبه بالصواب.
(٣) في سيرة ابن هشام والروض: وليفجِّرْ.
(٤) في ح، ط: فيما. والمثبت من سيرة وابن إسحاق وسيرة ابن هشام والروض.
(٥) في سيرة ابن هشام والروض: لك.
(٦) في ط وسيرة ابن هشام والروض: وهي وفي سيرة ابن إسحاق: وهن والمثبت من ح.
(٧) في ح: حتى يأتينا الله.