للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنزعوه من يدي ولم يردُّوا عليَّ مالي. فكان أولَ ما خُبر به من صلابةِ حُكمه وعَدْله أن قال: لتردُّنَّ عليه ماله. أو لتجعلنَّ يدَ غلامِهِ في يده، فليذهبنَّ به حيث شاء. فقالوا: بل نعطيه ماله فأعْطَوْه إياه، فلذلك يقول: ما أخذ الله مني الرَّشوَة فآخذَ الرشوة حين ردَّ عليَّ ملْكي، وما أطاع الناسَ فيّ فأطيع الناسَ فيه.

وقال موسى بن عقبة (١): كان أبو النجاشي ملكَ الحبشة، فمات والنجاشيُّ غلامٌ صغير، فأوصى إلى أخيه: أنْ إليك ملكُ قومك حتى يبلغَ ابني، فإذا بلغ فله الملك. فرغب أخوه في الملك، فباع النجاشيَّ من بعض التجَّار، فمات عمُّه من ليلته وقَضَى، فردَّتِ الحبشةُ النجاشيَّ حتى وضعوا التاجَ على رأسه.

هكذا ذكره مختصرًا، وسياقُ ابن إسحاق أحسنُ وأبْسَطُ، فالله أعلم.

والذي وقع في سياقِ ابنِ إسحاق. إنما هو ذكر عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، والذي ذكره موسى بن عقبة والأموي وغيرُ واحدٍ أنهما عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن المغيرة، وهو أحد السبعة الذين دعا عليهم رسولُ الله حين تضاحكوا يوم وُضع سَلا الجَزُورِ على ظهره وهو ساجدٌ عند الكعبة.

وهكذا تقدم في حديث ابن مسعود وأبي موسى الأشعري. والمقصود أنَّهما حين خرجا من مكة كانت زوجةُ عمرٍو معه، وعُمارة كان شابًّا حسنًا، فاصطحبا في السفينة، وكان عُمارة طمِعَ في امرأةِ عمرِو بن العاص، فألقى عَمْرًا في البحر ليُهْلكه فسبح حتى رجع إليها. فقال له عُمارة: لو أعلم أنك تُحسن السباحة لما ألقَيْتُكَ، فحقد عمرٌو عليه، فلما لم يقض لهما حاجة في المهاجرين من النجاشي، وكان عمارة قد توصَّل إلى بعضِ أهلِ النجاشي، فوشى به عمرٌو فأمر به النجاشيُّ فسُحر حتى ذهب عقلُه وساح في البرِّيَّة مع الوحوش.

وقد ذكر الأموي قصةً مطوَّلة جدًّا وأنه عاش إلى زمن إمارة عمر بن الخطاب، وأنه تقصَّده بعضُ الصحابة ومسكه، فجعل يقول: أرسلني وإلا متّ. فلما لم يرسله مات من ساعته. فالله أعلم.

وقد قيل: إنَّ قريشًا بعثتْ إلى النجاشي في أمر المهاجرين مرَّتين: الأولى مع عمرو بن العاص وعمارة، والثانية مع عمرو، وعبد الله بن أبي ربيعة. نص عليه أبو نُعيم في "الدلائل" (٢) والله أعلم. وقد قيل: إن البعثة الثانية كانت بعد وقعة بدر؛ قاله الزهري، لينالوا ممن هناك ثأرًا فلم يُجبهم النجاشيُّ وأرضاه إلى شيءٍ مما سألوا. فالله أعلم.

[وقد ذكر زياد عن ابن إسحاق (٣): أن أبا طالب لما رأى ذلك من صنيع قريش كتب إلى النجاشيِّ


(١) دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٢٩٥).
(٢) دلائل النبوة لأبي نعيم (١/ ٣٣١).
(٣) السير والمغازي (ص ٢٢١) وسيرة ابن هشام (١/ ٣٣٣) والروض (٢/ ٨٦).