للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): فلما مُزِّقتْ وبطلَ ما فيها قال أبو طالب فيما كان من أمْر أولئك القوم الذين قاموا في نَقْض الصحيفةِ يمدحُهم: [من الطويل]

ألا هل أتَى بَحْريَّنا صُنْعُ ربِّنا … على نأيْهم واللهُ بالناسِ أرْوَد (٢)

فيُخبِرَهم أنَّ الصحيفة مُزِّقت … وأنْ كلُّ ما لم يرضهُ اللهُ مُفْسَدُ

تراوحها إفْكٌ وسِحْرٌ مجمَّع … ولم يُلْفَ سِحْر آخرَ الدهرِ يصعد (٣)

تداعى لها مَن ليس فيها بقرقرٍ … فطائرُها في رأسِها يتردَّدُ (٤)

وكانت كفاءً وقعةً بأثيمةٍ … ليُقطعُ منها ساعدٌ ومقلَّدٌ (٥)

ويظعنُ أهل المَكَّتين فيهربوا … فرائصُهم من خشيةِ الشرِّ تُرْعَدُ

ويترك حرَّاثٌ يقلِّب أمْرَهُ … أَيُتْهِمُ فيهم عندَ ذلك ويُنْجِدُ (٦)

[وتصعد بين الأخشبَيْنِ كتيبةٌ … لها حُدُجٌ سَهْمٌ وقَوْسٌ ومِرْهَدُ] (٧)

فمَنْ ينْشَ من حُضَّارِ مكةَ عِزَّةً … فعزّتنا في بطنِ مكَّة أتلد (٨)

نشأنا بها والناسُ فيها قلائلٌ … فلم ننفكِكْ نزدادُ خيرًا ونُحمدُ


(١) السير والمغازي (ص ١٦٧) وسيرة ابن هشام (١/ ٣٧٧) والروض (٢/ ١٢٤).
(٢) قال السهيلي في الروض (٢/ ١٢٨): بحريَّنا: يعني الذين بأرض الحبشة نسبهم إلى البحر لركوبهم إياه … أرود: أي أرفق؛ ومنه: رويدك، أي رفقًا، جاء بلفظ التصغير لأنهم يريدون به تقليلا، أي أرفق قليلًا، اهـ.
(٣) في ح: ترى أوجهًا، وفي السيرة والمغازي: تداعى لها، وفي ح، ط: يلف سحرًا. والمثبت من سيرة ابن هشام والروض.
(٤) "من ليس فيها بقرقر": أي ليس بذليل، لأن القرقر: الأرض الموطوءة التي لا يمنع سالكها، ويجوز أن يريد به: ليس بذي هزل، لأن القرقرة الضحك. وقوله: وطائرها في رأسها يتردد: أي حظها من الشؤم والشر، وفي التزيل: ﴿أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾.
(٥) في سيرة ابن هشام والروض: رقعة بأثيمة.
(٦) في ط: أيتهم فيها. والمثبت من ح والسيرة والروض.
(٧) سقط البيت من ح ويبدو أنه سقط من المصرية أيضًا لأنه وضع بين معقوفين في ط. وأثبتناه من السيرة والروض، وشرحه السهيلي (٢/ ١٢٨) نقلًا عن حاشية الكناني بقوله: لعل "حُدُج" بضم الحاء والدال جمع "حِدْج" وهو من مراكب النساء ونظير سِتْر وسُتُر، فيكون المعنى: إن الذي يقوم لها مقام الحدُج سهم وقوس ومرهد. ثم قال: وفي العين: الحَدْج: حسك القطب ما دام رطبًا، فيكون الحدج في البيت مستعارًا من هذا، أي لها حسك، ثم فسره فقال: سهم وقوس ومِرْهد، وهكذا في الأصل بالراء وكسر الميم، فيحتمل أن يكون مقلوبًا من مرهد: مفعل من رهد الثوب إذا مزقه، ويعني به رمحًا أو سيفًا، ويحتمل أن يكون غير مقلوب، ويكون من الرهيد، وهو الناعم، أي ينعم صاحبه بالظفر. وفي بعض النسخ: مزهد بفتح الميم والزاي، فإن صحت الرواية به فمعناه: مزهد في الحياة وحرص على الممات. والله أعلم. اهـ.
(٨) في السيرة والروض: مكة عزُّه.