للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أحسنَ منه، ولا أمرًا أعدلَ منه. قال: فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحق وقلت: يا نبيَّ الله، إني امرؤٌ مطاعٌ في قومي، وأنا (١) راجعٌ إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادْعُ اللهَ أنْ يجعلَ لي آيةً تكونُ لي عونًا عليهم فيما أدعوهم إليه. قال فقال: "اللهمَّ اجعلْ له آية".

قال: فخرجتُ إلى قومي، حتى إذا كنت بثنيَّةٍ تطلعُني على الحاضِر (٢)، وقع بين عينيّ نورٌ مثلُ المِصْباح. قال فقلت: اللهمَّ في غير وَجْهي، فإني أخشى أن يظنُّوا أنَّها (٣) مثلة وقعَتْ في وجهي لفراقي دينَهم. قال: فتحوَّل فوقع في رأسِ سَوْطي قال: فجعل الحاضرُ يتراءَوْن ذلك النورَ في رأس سَوْطي كالقنديل المعلَّق وأنا أتهبَّطُ (٤) عليهم من الثنيَّة حتى جئتهم فأصبحت فيهم.

فلما نزلتُ أتاني أبي - وكان شيخًا كبيرًا - فقلت: إليك عني يا أبة فلستُ منك ولستَ مني. قال: ولمَ يا بني؟ قال: قلت: أسلمتُ وتابعتُ دين محمد قال: أي بني، فدينك ديني (٥). فقلت: فاذهبْ فاغتسلْ وطهِّرْ ثيابك ثم ائتني حتى أعلِّمك مما عُلِّمت. قال: فذهبَ فاغتسل وطهَّر ثيابه، ثمَّ جاء فعرضتُ عليه الإسلام فأسلم.

قال ثم أتتني صاحبتي فقلت: إليكِ عني، فلستُ منكِ ولستِ مني. قالت: لم بأبي أنت وأُمِّي؟ قال: قلت: فرَّق بيني وبينكِ الإسلام، وتابعتُ دينَ محمد قالت: فديني دينُك. قال: فقلت فاذهبي إلى حنا (٦) ذي الشَّرَى فتطهَّرِي منه - وكان ذو الشرى صنمًا لدَوْس، وكان الحمى حِمى حمَوْهُ له، به وشَلُ (٧) من ماء يهبط من جبل - قالت: بأبي أنتَ وأُمِّي، أتخشى على الصبيَّة من ذي الشَّرَى شيئًا؟ قال: قلت: لا، أنا ضامنٌ لذلك. قال: فذهبَتْ فاغتسلتْ ثمَّ جاءتْ، فعرضتُ عليها الإسلام فأسلمتْ.

ثم دعوتُ دَوْسًا إلى الإسلام فأبطؤوا عليَّ، ثم جئتُ رسولَ الله بمكة. فقلتُ: يا رسول الله، إنه قد غلبني على دوسٍ الزِّنا فادْعُ اللهَ عليهم. قال: "اللهمَّ اهدِ دَوْسًا، ارْجِعْ إلى قومك فادْعُهم وارْفُقْ


(١) في ط: وإني.
(٢) "الحاضر": القوم النزول على ماءٍ يقيمون به ولا يرحلون عنه. ويقال للمناهل المَحَاضر، للاجتماع والحضور عليه" النهاية لابن الأثير (حضر).
(٣) في ح، ط: يظنوا بها، والمثبت من سيرة ابن هشام.
(٤) "أتهبَّط": أي أتحدَّر. هكذا جاء في الرواية وهو بمعنى نهبط وأهبط. النهاية لابن الأثير (هبط).
(٥) في ح: ديني دينك، وفي السيرة: فديني دينك.
(٦) في ط: حمى، والمثبت من ح وسيرة ابن هشام والروض. قال السهيلي (٢/ ١٣٦): حنا ذي الشرى، وقد قال ابن هشام: هو حمى، وهو موضع حموه لصنمهم ذي الشرى، فإن صحت رواية ابن إسحاق، فالنون تبدل من الميم، كما قالوا: حلان وحلام للجَدي. ويجوز أن يكون من حنوت العود، ومن محنية الوادي، وهو ما انحنى منه. اهـ.
(٧) "الوشل": القليل من الماء، وما بين معترضين هو قول ابن هشام كما في سيرته.