للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في عينيّ. فجعلوا يقولون: ما نَرَى شيئًا! فلم يزل كذلك حتى عَمِيَتْ عيناه. وأما الحارث بن غيطلة فأخذه الماءُ الأصفر في بطنه حتى خرج خُرْؤه من فيه فمات منها. وأما العاص بن وائل فبينما هو كذلك يومًا إذ دخل في رأسه شِبْرِقة حتى امتلأت منها فمات منها.

وقال غيرُه في هذا الحديث: فركب إلى الطائف على حمار فربض به على شِبْرِقَة - يعني شَوْكَة - فدخلتْ في أخمصِ قدمه شوكة فقتلَتْه. رواهُ البيهقي (١) بنحو من هذا السياق.

وقال ابن إسحاق (٢): وكان عظماءُ المستهزئين كما حدَّثني يزيد بن رُومان عن عروة بن الزبير خمسةَ نَفَر، وكانوا ذوي أسنانٍ وشرفٍ في قومهم؛ الأسود بن المطلب أبو زَمَعة، دعا عليه رسولُ الله فقال: "اللهمَّ أعْم بصَرَه وأثْكِلْهُ ولَدَه". والأسود بن عبد يَغُوث، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والحارث بن الطُّلاطِلَة. وذكر أنَّ الله تعالي أنزل فيهم ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الحجر ٩٤ - ٩٦]. وذكر أنَّ جبريلَ أتى رسولَ الله وهم يطوفونَ بالبيت، فقام وقام رسولُ الله إلى جَنْبه، فمرَّ به الأسود بن المطلب فرَمَى في وجهه بورقةٍ خضراء فعَمِي، ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنُه فمات منه حَبَنًا (٣). ومرَّ به الوليدُ بن المغيرة فأشار إلى أثَرِ جُرحٍ بأسفل كعبه كان أصابه قبل ذلك بسنين من مروره برجل يَرِيشُ نَبْلًا له من خزاعة، فتعلَّق سهمٌ بإزاره فخدشه خَدْشًا يسيرًا، فانتقض بعد ذلك فمات. ومر به العاصُ بن وائل فأشار إلى أخمص رجله فخرج على حمارٍ له يريد الطائف، فربض به على شِبْرِقةٍ فدخلت في أخمص رِجلِهِ شوكةٌ فقتلَتْه. ومرَّ به الحارث بن الطُّلاطلة فأشار إلى رأسه فامتحض قَيْحًا فقتله.

ثم ذكر ابنُ إسحاق (٤): أنَّ الوليد بنَ المغيرة لما حضره الموتُ أوصى بنيه الثلاثةَ وهم: خالد وهشام والوليد. فقال لهم: أي بَنِيَّ، أوصيكم بثلاث، دمي في خُزَاعة فلا تُطِلُّوه، والله إني لأعلم أنهم منه بُرَآء ولكني أخشى أن تُسَبُّوا به بعد اليوم. وربايَ في ثَقِيف فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعُقْرِي (٥) عند أبي أُزَيهر الدَّوسيّ فلا يفوتنَّكم به - وكان أبو أُزَيْهر قد زوَّج الوليد بنتًا له ثم أمسكها عنه فلم يُدْخِلْها عليه حتى مات،


(١) في دلائل النبوة (٢/ ٣١٦ - ٣١٨) وأخرجه الطبراني في الأوسط بسند حسن والضياء في المختارة عن ابن عباس كما في الدر المنثور (٥/ ١٠١) في تفسير الآية. وذكره أيضًا الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ٤٧) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عبد الحكيم النيسابوري ولم أعرفه، وبقيه رجاله ثقات.
(٢) في السيرة والمغازي (ص ٢٧٣) وسيرة ابن هشام (١/ ٤٠٨) والروض (٢/ ١٦٣) والطبري في التفسير (١٤/ ٧٠)، وأخرجه أبو نعيم في الدلائل (٢٠١) عن حبيب بن الحسن، حدثنا محمد بن يحيى المروزي، حدثنا أحمد بن محمد حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق به.
(٣) "الحَبَن": داء في البطن، يعظم منه ويرم. القاموس (حبن). ووقع في ح، ط: "فاستسقى باطنه" والمثبت من السيرة.
(٤) في سيرة ابن هشام (١/ ٤١٠) والروض (٢/ ١٦٣).
(٥) "العقر": دية الفرج الصغصوب. قاله السهيلي في الروض (٢/ ١٦٨).