للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابنُ هشام (١): وحدَّثني بعضُ أهل العلم أنَّ الحسن بن أبي الحسن البصري قال: انتهى رسولُ اللَّه وأبو بكر إلى الغار ليلًا، فدخل أبو بكر قبل رسولِ اللَّه ، فلمس الغار لينظرَ أفيه سَبُعٌ أو حيَّة، يَقيَ رسولَ اللَّه بنفسه.

وهذا فيه انقطاعٌ من طرفيه.

وقد قال أبو القاسم البغوي: حدَّثنا داود بن عمرو الضبيِّ، حدثنا نافع بن عمر الجمحي عن ابنِ أبي مُليكة، أنَّ النبيَّ لما خرج هو وأبو بكرٍ إلى ثَوْر، فجعل أبو بكر يكون أمامَ النبيِّ مرَّة. وخلفَهُ مرَّة، فسأله النبيُّ عن ذلك فقال: إذا كنتُ خلفك خشيتُ أنْ تُؤْتَى من أمامك، وإذا كنتُ أمامَك خشيتُ أن تُؤتَى من خلفك. حتى إذا انتهى إلى الغار من ثور قال أبو بكر: كما أنتَ حتى أُدخل يدي فأُحِسَّهُ وأقُصَّه، فإنْ كانتْ فيه دابَّةٌ أصابَتني قبلك. قال نافع: فبلغني أنه كان في الغار جُحْرٌ فألقم أبو بكر رِجْلَهُ ذلك الجُحْر تخوُّفًا أن يخرج منه دابّهٌ أو شيءٌ يؤذي رسولَ اللَّه .

وهذا مرسل. وقد ذكرنا له شواهد أُخر في سيرة الصدِّيق (٢).

وقال البيهقي (٣): أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ إملاءً، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق، أنا موسى بن الحسن بن (٤) عباد، ثنا عفَّان بن مسلم، ثنا السريُّ بن يحيى ثنا محمد بن سيرين، قال: ذكر رجالٌ على عهد عمر، فكأنهم فضَّلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر فقال: واللَّه لليلةٌ من أبي بكر خيرٌ من آل عمر، وليومٌ من أبي بكر خيرٌ من آل عمر؛ لقد خرج رسولُ اللَّه ليلةَ انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعةً بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطِن رسولُ اللَّه فقال: "يا أبا بكر! مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي؟ " فقال: يا رسولَ اللَّه! أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرَّصَد فأمشي بين يديك. فقال: "يا أبا بكر لو كان شيءٌ أحببتَ أن يكون بك دوني؟ " قال: نعم، والذي بعثك بالحق [ما كانت لتكن من ملمّةٍ إلَّا أحببتُ أنْ تكونَ لي دونك]، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسولَ اللَّه حتى أستبرِئ لك الغار؛ فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الجِحَرَة فقال: مكانك يا رسول اللَّه حتى أستبرئ. فدخل فاستبرأ ثم قال: انزلْ يا رسول اللَّه. فنزل. ثم قال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خيرٌ من آل عمر.

وقد رواه البيهقي (٥) من وجه آخر عن عمر وفيه: أنَّ أبا بكر جعل يمشي بين يدي رسول اللَّه تارة،


(١) في السيرة (١/ ٤٨٦) والروض (٢/ ٢٢٤).
(٢) أفرد المؤلف لأبي بكر مصنفًا سمَّاه سيرة أبي بكر، وقد أشار إليه في ص ٢٢٧ من هذا الجزء.
(٣) في دلائل النبوة (٢/ ٤٧٦) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٤) في ط: أنا موسى بن الحسن ثنا عباد ثنا عفان. وهو تصحيف، والمثبت من ح ودلائل البيهقي وترجمته في سير أعلام النبلاء (١٣/ ٣٧٨).
(٥) في الدلائل (٢/ ٤٧٧).