للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بردائه، فعرف الناسُ رسولَ اللَّه عند ذلك، فلبثَ رسولُ اللَّه في بني عمرو بن عوف بضعَ عشرةَ ليلة، وأُسِّسَ (١) المسجدُ الذي أُسِّسَ على التقوى، وصلَّى فيه رسولُ اللَّه ، ثم ركب راحلته، وسار يمشي معه الناسُ حتى بركَتْ عند مسجد رسولِ اللَّه بالمدينة، وهو يصلِّي فيه يومئذٍ رجالٌ من المسلمين، وكان مِرْبدًا للتمر، لسُهيلٍ وسهل، غلامَيْن يتيمين في حَجْر أسعد بن زُرَارة، فقال رسولُ اللَّه حين بركَتْ به راحلته: "هذا إنْ شاء اللَّه المنزل"، ثم دعا رسولُ اللَّه الغلامَيْن فساوَمَهُما بالمِرْبَدِ ليتَّخِذَهُ مسجدًا، فقالا: بل نهَبُه لكَ يا رسول اللَّه، فأبى رسولُ اللَّه أنْ يقبلَهُ منهما هِبَةً حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجدًا. فطفِق رسولُ اللَّه ينْقُلُ معهم اللَّبنَ في بُنْيانه، وهو يقول حين ينقلُ اللَّبِنَ: [من الرجز]

هذا الحِمالُ لا حِمالَ خَيْبَرْ … هذا أبرُّ رَبَّنا وأطْهَرْ (٢)

ويقول: [من الرجز]

لا هُمَّ إنَّ الأجرَ أجرُ الآخرَهْ … فارْحَم الأنصارَ والمُهاجرَهْ

فتمثل بشعرِ رجلٍ من المسلمين لم يُسَمَّ لي (٣).

قال ابن شهاب: ولم يبلُغْنا في الأحاديث أنَّ رسولَ اللَّه تمثل ببيتِ شعرٍ تامّ غير هذه الأبيات.

هذا لفظُ البخاري وقد تفرَّد بروايتِهِ دونَ مسلم، وله شواهد من وجوهٍ أُخَر، وليس فِيه قصةُ أمِّ معبد الخزاعيَّة، ولنذكر هنا ما يناسب ذلك مرتبًا أوَّلًا فأوَّلًا.

قال الإمامُ أحمد (٤): حدَّثنا عمرو بن محمد أبو سعيد العَنْقَزَي، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن البَرَاء بن عازب، قال: اشترى أبو بكر من عازب سَرْجًا بثلاثةَ عشرَ درهمًا، فقال أبو بكر لعازب: مُرِ البراءَ فلْيحملْهُ إلى منزلي. فقال: لا، حتى تحدِّثنا كيف صنعتَ حين خرجَ رسولُ اللَّه وأنت معه؟ فقال أبو بكر: خرجنا فأدْلجنا فأحْثَثْنا يومنا وليلتَنا حتى أظهرنا، وقام قائمُ الظهيرة، فضربتُ بصري (٥) هل أرى ظِلًّا ناوي إليه، فإذا أنا بصخرةٍ فأهويتُ إليها فإذا بقيةُ ظِلِّها، فسوَّيْتُه لرسولِ اللَّه وفرشتُ له فروةً وقلت: اضْطَجِعْ يا رسولَ اللَّه فاضطجع، ثم خرجتُ أنظر هل أرى أحدًا من الطلب، فإذا أنا براعي


(١) الضبط من صحيح البخاري.
(٢) "الحِمال": المحمول من اللَّبن. أبرُّ: عند اللَّه أي أبقى ذُخْرًا من حمال خيبر، أي التي يحمل منها التمر والزبيب ونحو ذلك. قال ابن حجر: ووقع في بعض النسخ في رواية المستملي: الجمال بفتح الجيم، وقوله: ربنا. منادى مضاف. اهـ فتح (٧/ ٢٤٦).
(٣) قال ابن حجر: قال غير الزهري: إن الشعر المذكور لعبد اللَّه بن رواحة فكأنه لم يبلغه. وما في الصحيح أصح وهو قوله: شعر رجل من المسلمين، وفي الحديث جواز قول الشعر وأنواعه خصوصًا الرجز في الحرب والتعاون على سائر الأعمال الشاقة اهـ.
(٤) في مسنده (١/ ٣) وما يأتي بين معقوفين منه.
(٥) في المسند: ببصري.