للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا النبيّ -من غزوة؟ قال: تسع عشرة. قال: كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة غزوة. قلت: فأيُّهنَّ كان (١) أول؟ قال: العشير، أو العسيرة. فذكرت لقتادة، فقال: العشيرة. وهذا الحديث ظاهر في أنّ أول الغزوات العشيرة، ويقال بالسين. وبهما مع حذف التاء. وبهما مع المد، اللهم إلا أن يكون المراد غزاة شهدها مع النبيّ زيد بن أرقم؛ العشيرة، وحينئذ لا ينفي أن يكون قبلها غيرها لم يشهدها زيد بن أرقم، وبهذا يحصل الجمع بين ما ذكره محمد بن إسحاق وبين هذا الحديث، واللَّه أعلم.

قال محمد بن إسحاق (٢): ويومئذ قال رسول اللَّه لعلي ما قال، فحدّثني (٣) يزيد بن محمد بن خثيم، عن محمد بن كعب القرظيّ، حدّثني أبو يزيد محمد بن خثيم عن عمَّار بن ياسر، قال: كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، من بطن ينبع، فلما نزلها رسول اللَّه أقام بها شهرًا، فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، فوادعهم، فقال لي عليّ بن أبي طالب: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر من بني مدلج، يعملون في عين لهم، ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة فغشينا النوم، فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فيه، فواللَّه ما أهبّنا (٤) إلّا رسول اللَّه [يحرّكنا] بقدمه فجلسنا، وقد تترّبنا من تلك الدّقعاء، [فيومئذ] قال رسول اللَّه لعليّ: "يا أبا تراب". لما عليه من التراب، فأخبرناه بما كان من أمرنا، فقال: "ألا أخبركم بأشقى الناس رجلين؟ " قلنا: بلى يا رسول اللَّه. فقال: "أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والّذي يضربك يا عليّ على هذه -ووضع رسول اللَّه يده على رأسه- حتى يبلّ (٥) منها هذه". ووضع يده على لحيته. وهذا حديث غريب من هذا الوجه.

وله شاهد من وجه آخر في تسمية عليّ أبا تراب، كما في "صحيح البخاريّ" (٦) أنّ عليًّا خرج مغاضبًا فاطمة، فجاء المسجد فنام فيه، فدخل رسول اللَّه فسألها عنه، فقالت: خرج مغاضبًا، فجاء إلى المسجد فأيقظه وجعل يمسح التراب عنه، ويقول: "قم أبا ترابٍ، قم أبا تُرابٍ".


(١) كذا في (أ) و (ط): وفي جميع نسخ "البخاري": "فأيهم كانت". قال ابن مالك والصواب؛ "فأيُّها أو أيُّهن".
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٥٩٩).
(٣) ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" (٣/ ١٢ - ١٣).
(٤) أهبَّنا: أيقظنا من النوم.
(٥) في (أ): "تبل" وأثبت لفظ (ط).
(٦) رواه البخاري (٤٤١) و (٦٢٨٠).