للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمُجْرِمُونَ﴾ [الأنفال: ٥ - ٨] وما بعدها إلى تمام القصّة من سورة "الأنفال"، وقد تكلّمنا عليها هنالك (١)، وسنورد هاهنا في كلّ موضعٍ ما يناسبه.

قال ابن إسحاق (٢)، ، بعد ذكره سريّة عبد اللَّه بن جحشٍ: ثم إنّ رسول اللَّه سمع بأبي سفيان صخر بن حربٍ مقبلًا من الشام في عيرٍ لقريشٍ عظيمةٍ، فيها أموالٌ وتجارةٌ، وفيها ثلاثون رجلًا أو أربعون، منهم مخرمة بن نوفلٍ، وعمرو بن العاص.

قال موسى بن عقبة (٣)، عن الزّهريّ: كان ذلك بعد مقتل ابن الحضرميّ بشهرين. قال: وكان في العير ألف بعيرٍ، تحمل أموال قريشٍ بأسرها إلّا حويطب بن عبد العزّى، فلهذا تخلّف عن بدرٍ.

قال ابن إسحاق (٤): فحدّثني محمد بن مسلم بن شهابٍ، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللَّه بن أبي بكرٍ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، وغيرهم من علمائنا، عن ابن عباس، كلٌّ قد حدّثني بعض الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدرٍ، قالوا: لمّا سمع رسول اللَّه بأبي سفيان مقبلًا من الشّام، ندب المسلمين إليهم وقال: "هذه عير قريشٍ فيها أموالهم، فأخرجوا إليها؛ لعلّ اللَّه ينفّلكموها" فانتدب الناس، فخففّ (٥) بعضهم وثقل بعضٌ؛ وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللَّه يلقى حربًا، وكان أبو سفيان، حين دنا من الحجاز، يتحسّس (٦) الأخبار، ويسأل من لقي من الرّكبان؛ تخوّفًا على أموال الناس، حتى أصاب خبرًا من بعض الرّكبان؛ أنّ محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ، فبعثه إلى مكّة، وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أنّ محمدًا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرٍو سريعًا إلى مكّة.

قال ابن إسحاق (٧): فحدّثني من لا أتّهم، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، قالا: وقد رأت عاتكة بنت عبد المطّلب، قبل قدوم ضمضمٍ إلى مكة بثلاث ليالٍ، رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطّلب، فقالت له: يا أخي، واللَّه لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني، وتخوّفت أن يدخل على قومك منها شرٌّ ومصيبةٌ، فاكتم عليّ ما أحدّثك. قال لها: وما رأيت؟


(١) انظر القصة بتمامها وما يتعلَّق بها، في "التفسير" للمؤلف (٣/ ٥٥٣ - ٥٧٣) ولتمام الفائدة راجع "المغازي" لابن أبي شيبة رقم (١٢٧).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٦).
(٣) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" (٣/ ١٠٢) وذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام" في "المغازي" منه ص (١٠٣).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٦ - ٦٠٧).
(٥) في (أ): "فخفف" والمثبت من (ط).
(٦) في (أ): "يتجسس". وتحسَّس الخبر: تَطلَّبه وتبحَّثه، والتحسُّس شبه التسمُّع والتبصُّر. "لسان العرب" (حسس).
(٧) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٧ - ٦٠٩) و"تاريخ الطبري" (٢/ ٤٢٨).