للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال مجاهدُ (١): أنزل عليهم المطر، فأطفأ به الغبار، وتلبّدت به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.

قلت: وكانت ليلة بدرٍ، ليلة الجمعة السابعة عشر من شهر رمضان سنة ثنتين من الهجرة، وقد بات رسول اللَّه تلك الليلة يصلّي إلى جذم شجرةٍ هناك، ويكثر في سجوده أن يقول: "يا حيّ يا قيّوم". يكرّر ذلك ويلظّ به، (٢).

قال ابن إسحاق (٣): فخرج رسول اللَّه يبادرهم إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماءٍ من بدرٍ، نزل به.

قال ابن إسحاق (٤): فحُدّثت عن رجالٍ من بني سلِمة، أنّهم ذكروا أنّ الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول اللَّه، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه اللَّه، ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخّر عنه، أم هو الرّأي والحرب والمكيدة؟ قال: "بل هو الرأي والحرب والمكيدة". قال: يا رسول اللَّه، فإنّ هذا ليس بمنزلٍ، فامض بالناس حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم فننزله، ثم نغوّر (٥) ما وراءه من القلب (٦)، ثم نبني عليه حوضًا فنملأه ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون. فقال رسول اللَّه "لقد أشرت بالرأي".

قال الأمويّ (٧): حدّثنا أبي، قال: وزعم الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عباسٍ قال: بينا رسول اللَّه يجمع الأقباص، وجبريل عن يمينه، إذ أتاه ملكٌ من الملائكة، فقال: يا محمد، إنّ اللَّه يقرأ عليك السلام. فقال رسول اللَّه : "هو السّلام، ومنه السلام، وإليه السلام". فقال الملك: إنّ اللَّه يقول لك: إنّ الأمر هو الذي أمرك به الحباب بن المنذر. فقال رسول اللَّه : "يا جبريل، هل تعرف هذا؟ ". فقال: ما كلُّ أهل السماء أعرف، وإنّه لصادقٌ، وما هو بشيطانٍ.


(١) وأخرجه عنه الطبري في "تفسيره" (٩/ ١٩٦).
(٢) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (١٠٤٤٧) والحاكم في "المستدرك" (١/ ٢٢٢) من حديث علي، وإسناده ضعيف.
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٢٠).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٢٠). و"تاريخ الطبري" (٢/ ٤٤٠) وإسناده ضعيف لجهالة الواسطة بين ابن إسحاق والرجال من بني سلمة، وقد وصله الحاكم في "المستدرك" (٣/ ٤٢٦ - ٤٢٧) من حديث الحباب، وفي سنده مجاهيل. قال الذهبي في تلخيصه: قلت: حديث منكر، وسنده - سكت عنه، ولعله يريد وسنده (واهٍ) أو نحوه، ورواه الأموي من حديث ابن عباس كما في "البداية" (٥/ ٨٢) وفيه الكلبي، وهو كذاب.
(٥) قال أبو ذر الخشني: من رواه بالغين المعجمة فمعناه نذهبه وندفنه، ومن رواه بالعين المهملة -وهو لفظ رواية الطبري- فمعناه نفسده. انظر "شرح غريب السيرة" (٢/ ٣٥).
(٦) القُلُب: جمع قَلِيب، وهو البئر قبل أن تُطوى -أي تبنى بالحجارة- فإذا طُويت فهي الطَّوِيّ. انظر "لسان العرب" (قلب).
(٧) أورده المؤلف مختصرًا في "تفسيره" (٣/ ٥٦٤).