للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلبةً، فمن كان ظهره حاضرًا، فليركب معنا. فجعل رجالٌ يستأذنونه في ظهورهم في علو المدينة، قال: لا، إلّا من كان ظهره حاضرًا. وانطلق رسول اللَّه وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدرٍ، وجاء المشركون، فقال رسول اللَّه : "لا يتقدّمنّ أحدٌ منكم إلى شيء، حتى أكون أنا أُوذنه". فدنا المشركون، فقال رسول اللَّه : "قوموا إلى جنّةٍ عرضها السماوات والأرض". قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاريّ: يا رسول اللَّه، جنّةٌ عرضها السماوات والأرض؟ قال: "نعم". قال: بخٍ بخٍ. فقال رسول اللَّه : "ما يحملك على قول: بخٍ بخٍ؟ ". قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، إلّا رجاء أن أكون من أهلها. قال: "فإنّك من أهلها". قال: فأخرج تمراتٍ من قرَنه (١)، فجعل يأكل منهنّ، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنّها حياةٌ طويلةٌ. قال: فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل، .

ورواه مسلمة (٢)، عن أبي بكر بن أبي النّضر (٣)، وجماعةٍ، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة به.

وقد ذكر ابن جريرٍ (٤) أنّ عميرًا قاتل وهو يقول، : [من الرجز]

ركضًا إلى اللَّه بغير زادِ … إلّا التّقى وعمل المعادِ

والصّبر في اللَّه على الجهادِ … وكلّ زادٍ عرضة النّفادِ

غير التّقى والبرّ والرّشادِ

وقال الإمام أحمد (٥): حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرّبٍ، عن عليٍّ قال: لمّا قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها، فاجتويناها، وأصابنا بها وعكٌ، وكان رسول اللَّه يتخبّر عن بدرٍ، فلمّا بلغنا أن المشركين قد أقبلوا، سار رسول اللَّه إلى بدرٍ، وبدرٌ بئرٌ، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم؛ رجلًا من قريش، ومولًى لعقبة بن أبي معيط، فأمّا القرشيّ فانفلت، وأمّا المولى فأخذناه (٦)، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هم واللَّه كثيرٌ عددهم، شديدٌ بأسهم. فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى رسول اللَّه ، فقال له: "كم


(١) القَرَن: جعبة من جلود تشق ويجعل فيها النُّشَّاب، وهو النبل. انظر "النهاية في غريب الحديث والأثر" (٤/ ٥٥).
(٢) رواه مسلم (١٩٠١).
(٣) في (أ) و (ط): "عن أبي بكر بن أبي شيبة" والتصحيح من "صحيح مسلم" وانظر "تهذيب الكمال" (٣٣/ ١٤٩).
(٤) انظر "تاريخ الطبري" (٢/ ٤٤٨).
(٥) رواه أحمد في "المسند" (١/ ١١٧) وهو حديث صحيح.
(٦) في (أ) و (ط): "فوجدناه" والتصحيح من "مسند الإمام أحمد".