للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسمعنا فارسًا يقولُ: أقدم حيزومُ. فأمّا صاحبي فانكشف قناعُ قلبه، فمات مكانه، وأمّا أنا فكدتُ أن أهلك، ثُم انتعشتُ (١) بعد ذلك.

وقال ابنُ إسحاق (٢): وحدّثني عبدُ اللَّه بنُ أبي بكرٍ، عن بعض بني ساعدة، عن أبي أُسيدٍ مالك بن ربيعة، وكان شهد بدرًا، قال بعد أن ذهب بصرُه: لو كنتُ اليوم ببدرٍ ومعي بصري؛ لأريتُكم الشّعب الذي خَرَجَت منه الملائكةُ، لا أشُكُّ فيه ولا أتمارى.

فلمّا نزلت الملائكةُ ورآها إبليسُ، وأوحى اللَّه إليهم (٣): ﴿أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الأنفال: ١٢].

وتثبيتُهم أنّ الملائكة كانت تأتي الرّجُل في صورة الرجل يعرفُه، فيقولُ له: أبشرُوا فإنّهم ليسوا بشيء، واللَّه معكم، كُرُّوا عليهم.

ولمّا رأى إبليسُ الملائكة، ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ﴾ [الأنفال: ٤٨] وهو في صورة سُراقة، وأقبل أبو جهلٍ يُحرّضُ أصحابه ويقولُ: لا يهُولنّكم خذلانُ سُراقة إيّاكم، فإنّه كان على موعدٍ من محمدٍ وأصحابه. ثُم قال: واللّات والعُزّى، لا نرجعُ حتى نُفرّق محمدًا وأصحابه في الجبال، فلا تقتُلُوهم وخُذُوهُم أخذًا.

وقال الواقديُّ (٤): حدّثني ابنُ أبي حبيبة، عن داود بن الحُصين، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: كان الملَكُ يتصوّرُ في صورة من يعرفُون، فيقولُ: إنّي قد دنوتُ منهم وسمعتُهم يقولون: لو حملُوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيءٍ، إلى غير ذلك من القول، فذلك قولُه: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية.

وروى البيهقيُّ (٥)، من طريق سلامة، عن عُقيلٍ، عن ابن شهابٍ، عن أبي حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ قال: قال أبو أُسيدٍ، بعدما ذهب بصرُه: يا بن أخي، واللَّه لو كنتُ أنا وأنت ببدرٍ، ثُم أطلق اللَّهُ بصري، لأريتُك الشّعب الذي خرجت علينا منه الملائكةُ، من غير شكٍّ ولا تمارٍ.

وروى البخاريُّ (٦)، عن إبراهيم بن موسى، عن عبد الوهّاب، عن خالدٍ، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، أنّ رسول اللَّه قال يوم بدرٍ: "هذا جبريلُ آخذٌ برأس فرسه، وعليه أداةُ الحرب".


(١) في "السيرة النبوية" لابن هشام: "تماسكت".
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٣٣). ورواه البيهقي في "دلائل النبوة" (٣/ ٥٢ - ٥٣) عن ابن إسحاق بسياق أطول من هذا.
(٣) انظر "التفسير" للمؤلف (٣/ ٥٦٢ - ٥٦٧).
(٤) انظر "المغازي" للواقدي (١/ ٧٩).
(٥) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٣/ ٥٣).
(٦) رواه البخاري (٣٩٩٥).