للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك، فألحّ عليه، فقال حكيمٌ: التقينا فاقتتلنا، فسمعتُ صوتًا وقع من السماء إلى الأرض، مثل وقع الحصاة في الطّست، وقبض النبيُّ القبضةَ الترابَ، فرمى بها فانهزمنا.

قال الواقديُّ (١): وحدّثنا إسحاقُ بنُ محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعيرٍ، سمعتُ نوفل بن مُعاوية الدّيليّ يقولُ: انهزمنا يوم بدرٍ ونحن نسمعُ صوتًا كوقع الحصى في الكأس (٢)، في أفئدتنا ومن خلفنا، وكان ذلك من أشدّ الرعب علينا.

وقال الأُمويُّ (٣): ثنا أبي، [ثنا ابنُ إسحاق]، حدّثني الزُّهريُّ، عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صُعيرٍ، أنّ أبا جهل حين التقى القومُ قال: اللهم أقطعُنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفُ، فَأحِنْهُ الغداة. فكان هو المستفتح. فبينما هم على تلك الحال، وقد شجّع اللَّه المسلمين على لقاء عدوّهم، وقلّلهم في أعينهم حتى طمعوا فيهم، خفق رسولُ اللَّه خفقةً في العريش، ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر، هذا جبريلُ مُعتجرٌ بعمامته، آخذٌ بعنان فرسه يقُودُه، على ثناياه النّقعُ، أتاك نصرُ اللَّه وعِدَتُه". وأمر رسولُ اللَّه فأخذ كفًّا من الحصى بيده، ثم خرج فاستقبل القوم فقال: "شاهت الوجوهُ". ثُم نفخهم (٤) بها، ثم قال لأصحابه: "احملُوا". فلم تكُن إلّا الهزيمةُ، فقتل اللَّه من قتل من صناديدهم، وأسر من أسر منهم.

وقال زيادٌ، عن ابن إسحاق (٥): ثم إنّ رسول اللَّه أخذ حَفنةً من الحصباء، فاستقبل بها قريشًا ثم قال: "شاهت الوجوهُ". ثُم نفخهم بها، وأمر أصحابه فقال: "شُدُّوا". فكانت الهزيمةُ، فقتل اللَّه من قتل من صناديد قريشٍ، وأسر من أسر من أشرافهم.

وقال السُّدّيُّ الكبيرُ: قال رسولُ اللَّه لعليٍّ يوم بدرٍ:، أعطني حصًى من الأرض". فناوله حصًى عليه ترابٌ، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبق مشركٌ إلَّا دخل في عينيه من ذلك التراب شيءٌ، ثم ردفهم المسلمون يقتُلونهم ويأسرُونهم، وأنزل اللَّه في ذلك: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ وهكذا قال عُروةُ، وعكرمةُ، ومجاهدٌ، ومحمدُ بنُ كعبٍ، ومحمدُ بنُ قيسٍ، وقتادةُ، وابنُ زيدٍ، وغيرُهم؛ أنّ هذه الآية نزلت في ذلك يوم بدرٍ. وقد فعل، ، مثل ذلك في غزوة حُنينٍ، كما سيأتي في موضعه، إذا انتهينا إليه إن شاء اللَّه، وبه الثقةُ.

وذكر ابنُ إسحاق (٦)، أنّ رسول اللَّه لمّا حرّض أصحابه على القتال، ورمى المشركين بما رماهم به من التراب، وهزمهم اللَّه تعالى، صعِد إلى العريش أيضًا ومعه أبو بكرٍ، ووقف سعدُ بنُ مُعاذٍ ومن معه


(١) انظر "المغازي" للواقدي (١/ ٩٥).
(٢) في (ط): "الطاس".
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٩/ ٢٠٨ - ٢٠٩) وانظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٢٨).
(٤) في (ط): "ثم نفحهم".
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٢٨).
(٦) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٢٨).