للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونبغضه، وهو على بابب من أبواب النار". قال السّهيليّ مقوّيًا لهذا الحديث: وقد ثبت أنّه، ، قال: "المرء مع من أحبّ". وهذا من غريب صنع السهيليّ؛ فإن هذا الحديث إنما يراد به الناس، ولا يسمّى الجبل امرأً.

وكانت هذه الغزوة في شوالٍ سنة ثلاثٍ. قاله الزّهريّ، وقتادة، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، ومالكٌ (١).

قال ابن إسحاق: للنصف من شوالٍ.

وقال قتادة: يوم السبت الحادي عشر منه.

قال مالكٌ: وكانت الوقعة في أول النهار، وهي على المشهور التي أنزل اللَّه فيها قوله تعالى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٢٢) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ الآيات وما بعدها إلى قوله: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٢١ - ١٧٩].

وقد تكلّمنا على تفاصيل ذلك في كتابنا" بما فيه كفايةٌ. وللَّه الحمد والمنة.

ولنذكر هاهنا ملخّص الوقعة ممّا ساقه محمد بن إسحاق، وغيره من علماء هذا الشأن.

قال ابن إسحاق : وكان من حديث أحدٍ، كما حدّثني محمد بن مسلمٍ الزُّهريّ، ومحمد بن يحيى بن حبّان، وعاصيم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذٍ، وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدّث ببعض هذا الحديث عن يوم أحدٍ، وقد اجتمع حديثهم كُلُّه فيما سقت، قالوا -أو من قال منهم-: لمّا أصيب يوم بدرٍ من كفَّار قريشٍ أصحابُ القليب، ورجع فُلُّهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بن حربٍ بعِيره، مشى عبد اللَّه بن أبي ربيعة، وعكرمة بن أبي جهلٍ، وصفوان بن أُمية، في رجالٍ من قريشٍ ممَّن أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم بدرٍ، فكلّموا أبا سفيان ومن كانت له في تلك العِير من قريشٍ تجارةٌ، فقالوا: يا معشر قريشٍ، إن محمدًا قد وتَرَكم وقتل خياركم؛ فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنا ندرك منه ثأرنا، ففعلوا.

قال ابن إسحاق (٢): ففيهم كما ذكر لي بعض أهل العلم أنزل اللَّه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٦].


(١) وأكده ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد في هدي خير العباد" (٣/ ١٧٢ - ١٧٣).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن إسحاق ص (٣٠١).