للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: وذكر قتادة أن رسول اللَّه لمّا وقع لشقّه أُغمي عليه، فمرّ به سالمٌ مولى أبي حذيفة، فأجلسه ومسح الدم عن وجهه، فأفاق وهو يقول: "كيف يفلح قومٌ فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى اللَّه"؟ فأنزل اللَّه: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ الآية. رواه ابن جريرٍ، وهو مرسلٌ، وسيأتي بسط هذا في فصل وحده.

قلت: كان أول النهار للمسلمين على الكُفَّار (١)، كما قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ﴾ الآية [آل عمران: ١٥٢ - ١٥٣].

قال الإمام أحمد (٢): ثنا سليمان بن داود، أنا عبد الرحمن بن أبي الرناد، عن أبيه، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباسٍ أنّه قال: ما نصر اللَّه في موطني كما نصر يوم أحدٍ. قال: فأنكرنا ذلك، فقال: بيني وبين من أنكر [ذلك] كتاب اللَّه، إن اللَّه يقول في يوم أحدٍ: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ يقول ابن عباسٍ: والحسّ القتل. ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر﴾ إلى قوله: ﴿[وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ] وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ وإنما عنى بهذا الرّماة، وذلك أنّ النبيّ أقامهم في موضعٍ، ثم قال: "احموا ظهورنا (٣)، فإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نغنم فلا تَشركونا". فلمّا غنم النبيّ وأباحوا عسكر المشركين، أكبّ الرّماة جميعًا، فدخلوا في العسكر ينهبون، وقد التقت صفوف أصحاب رسول اللَّه ، فهم هكذا -[وشبّك] بين [أصابع] يديه- والتبسوا (٤)، فلمّا أخلّ الرّماة تلك الخَلَّة (٥) التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب النبيّ ، فضرب بعضهم بعضًا والتبسوا، وقتل من المسلمين ناسٌ كثيرٌ (٦)، وقد كان لرسول اللَّه


(١) انظر "زاد المعاد في هدي خير العباد" لابن قيم الجوزية (٣/ ١٧٦) بتحقيق والدي الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وزميله الشيخ شعيب الأرناؤوط، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت.
(٢) رواه أحمد في "المسند" (١/ ٢٨٧).
(٣) في (أ): "احمو ظهرنا" وأثبت لفظ (ط)، وهو الموافق لما في "المسند".
(٤) في (أ): "وانتشبوا" وأثبت لفظ (ط).
(٥) أي: ولما ترك الرُّماة مركزهم. جاء في "مختار الصحاح" (خلل): "أخلَّ الرجل بمركزه تركه".
(٦) وقال الإمام ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (٣/ ١٧٦) بتحقيق الشيخين الفاضلين شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت: "وكان الدولة أول النهار للمسلمين على الكُفَّار، فانهزم عدوّ اللَّه، وولَّوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم، فلما رأى الرُّماة هزيمتهم، تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول اللَّه بحفظه، وقالوا: يا قوم الغنيمة، فذكّرهم أميرهم عهد رسول اللَّه ، فلم يسمعوا، وظنّوا أن ليس للمشركين رجعة، فذهبوا في طلب الغنيمة، وأخلّونا بالثغر، وكَرَّ فرسان المشركين، فوجدوا الثغر خاليًا، قد خلا من الرُّماة، فجازوا منه، وتمكنوا حتى أقبل آخرهم، فأحاطوا بالمسلمين، فأكرم اللَّه من أكرم منهم بالشهادة، وهم سبعون".