للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عفَّان فرّ يوم أحدٍ؟ قال: نعم. قال: فتعلمه تغيّب عن بدرٍ فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنّه تخلّف عن بيعة الرّضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: فكبّر. قال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبيّن لك عما سألتني عنه؛ أما فراره يوم أحدٍ، فأشهد أن اللَّه عفا عنه، وأما تغيّبه عن بدرٍ؛ فإنه كان تحته بنت النبيّ وكانت مريضةً، فقال له رسول اللَّه : "إن لك أجر رجلٍ ممّن شهد بدرًا وسهمه" وأما تغيّبه عن بيعة الرّضوان؛ فإنه لو كان أحدٌ أعزّ ببطن مكة من عثمان بن عفَّان لبعثه مكانه، فبعث عثمان، وكانت بيعة الرّضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكَّة، فقال النبي بيده اليمنى: "هذه يد عثمان". فضرب بها على يده، فقال: "هذه لعثمان". اذهب بهذا الآن معك.

وقد رواه البخاريّ أيضًا في موضعٍ آخر، والترمذيّ من حديث أبي عوانة (١)، عن عثمان بن عبد اللَّه بن موهبٍ به.

وقال الأمويّ في "مغازيه" (٢): عن ابن إسحاق، حدّثني يحيى بن عبّادٍ، عن أبي، عن جدّه، سمعت رسول اللَّه يقول: "أوجب طلحة". حين صنع ما صنع برسول اللَّه ، وقد كان الناس انهزموا عنه حتى بلغ بعضهم إلى المنقّى دون الأعوص، وفرّ عثمان بن عفَّان، وسعد بن عثمان وعقبة بن عثمان رجلان (٣) من الأنصار، حتى بلغوا الجلعب، جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص، فأقاموا ثلاثًا ثم رجعوا، فزعموا أن رسول اللَّه قال لهم: "لقد ذهبتم فيها عريضةً".

والمقصود أن أُحدًا وقع فيها أشياء مما وقع في بدرٍ، منها؛ حصول النّعاس حال التحام الحرب، وهذا دليلٌ على طمأنينة القلوب بنصر اللَّه وتأييده وتمام توكّلها على خالقها وبارئها.

وقد تقدم الكلامِ على قوله تعالى في غزوة بدرٍ: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ (٤) أَمَنَةً مِنْهُ﴾ الآية [الأنفال: ١١] وقال هاهنا: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ﴾ يعني المؤمنين الكمّل، كما قال ابن مسعود وغيره من السلف: النّعاس في الحرب من الإيمان، والنّعاس في الصلاة من النفاق. ولهذا قال بعد هذا: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ الآية [آل عمران: ١٥٤].

ومن ذلك أن رسول اللَّه استنصر يوم أحدٍ كما استنصر يوم بدرٍ بقوله: "إن تشأ لا تعبد في الأرض". كما قال الإمام أحمد (٥): ثنا عبد الصَّمد وعفَّان، قالا: ثنا حمادٌ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ أن رسول اللَّه كان يقول يوم أحدٍ: "اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض".


(١) رواه البخاري رقم (٣٩٦٨) والترمذي رقم (٣٧٠٦).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن إسحاق (٣١١).
(٣) في (ط): "رجل".
(٤) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو.
(٥) في "المسند" (٣/ ١٥٢).