للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هريرة قال: شهدنا مع رسول اللَّه خيبر، فقال لرجل ممّن يدّعي الإسلام: "هذا من أهل النار". فلمّا حضر القتال قاتل الرجل قتالًا شديدًا، فأصابته جراحةٌ، فقيل: يا رسول اللَّه، الرجل الذي قلت: "إنّه من أهل النار". فإنّه قاتل اليوم قتالًا شديدًا، وقد مات. فقال النبيّ : "إلى النَّار". فكاد بعض القوم أن يرتاب، فبينما هم على ذلك، إذ قيل: فإنّه لم يمت، ولكن به جراحٌ شديدةٌ. فلمّا كان من الليل لم يصبر على الجراح، فقتل نفسه، فأُخبر النبيّ بذلك فقال: "اللَّه أكبر، أشهد أنّي عبد اللَّه ورسوله". ثم أمر بلالًا فنادى في الناس: "إنّه لا يدخل الجنَّة إلا نفسٌ مسلمةٌ، وإنّ اللَّه يؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر".

وأخرجاه في "الصحيحين" (١) من حديث عبد الرّزاق به.

قال ابن إسحاق (٢): وكان مّمن قتل يوم أحدٍ مخيريق، وكان أحد بني ثعلبة ابن الفِطْيَون، فلمَّا كان يوم أحد قال: يا معشر يهود، واللَّه لقد علمتم أن نصر محمدٍ عليكم لحقٌّ. قالوا: إن اليوم يوم السبت. قال: لا سبت لكم. فأخذ سيفه وعدّته وقال: إن أُصبت فمالي لمحمدٍ يصنع فيه ما شاء. ثم غدا إلى رسول اللَّه فقاتل معه حتى قتل، فقال رسول اللَّه فيما بلغنا: "مخيريق خير يهود".

قال السّهيليُّ (٣): فجعل رسول اللَّه أموال مخيريق -وكانت سبع حوائط- أوقافًا بالمدينة. قال محمد بن كعبٍ القرظيُّ: وكانت أول وقفٍ بالمدينة.

وقال ابن إسحاق (٤): وحدّثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذٍ، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة، أنّه كان يقول: حدّثوني عن رجلٍ دخل الجنة لم يصلّ قطّ، فإذا لم يعرفه الناس سألوه: من هو؟ فيقول: أُصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقشٍ.

قال الحصين: فقلت لمحمود بن لبيدٍ (٥): كيف كان شأن الأُصيرم؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه، فلمّا كان يوم أحدٍ بدا له، فأسلم ثم أخذ سيفه، فعدا حتى دخل في عُرض الناس، فقاتل حتى أثبتته الجراحة. قال: فبينما رجالٌ من بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة، إذا هم به، فقالوا: واللَّه إنّ هذا لَلأصيرمُ، ما جاء به؟! لقد تركناه وإنه لمنكرٌ لهذا الحديث! فسألوه فقالوا: ما جاء بك يا عمرو؛ أحدبٌ على قومك، أم رغبةٌ في الإسلام؟ فقال: بل رغبةٌ في الإسلام، آمنت باللَّه وبرسوله وأسلمت، ثم أخذت سيفي وغدوت مع رسول اللَّه ، فقاتلت حتى أصابني ما أصابني.


(١) رواه البخاري رقم (٣٠٦٢) ومسلم رقم (١١١).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٨٨).
(٣) انظر "الروض الأنف" (٦/ ٤٧).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٩٠).
(٥) هو (محمود بن لبيد بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي المدني، أبو نُعَيم صحابي صغير، وجلُّ روايته عن الصحابة. انظر "تحرير تقريب التهذيب" (٣/ ٣٥٣).