للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّتَ رحنا كأنّا عارضٌ بردٌ … وقَام هام بني النجّار يبكيها

كأنّ هامهم عند الوغى فلقٌ … من قيض رُبدٍ نفته عن أداحيها

أو حنظلٌ ذعذعتْه الرِّيح في غصنٍ … بالٍ تعاوره منها سوافيها

قد نبذل المال سَحّا لا حساب له … ونطعنُ الخيل شزرًا في مآقيها

وليلةٍ يصطلي بالفرث جازرها … يختصّ بالنّقرى المثرين داعيها

وليلةٍ من جمادى ذات أنديةٍ … جربى جُماديّةٍ قد بثّ أسريها

لا ينبَح الكلب فيها غير واحدةٍ … من القريس ولا تسري أفاعيها

أَوقدتُ فيها لذي الضّرّاء جاحمةً … كالبرق ذاكية الأركان أحميها

أورثني ذاكمُ عمرٌو ووالده … من قبله كان بالمثني يغاليها

كانوا يبارون أنواء النجوم فما … دنّت عن السّورة العليا مساعيها

قال ابن إسحاق (١): فأجابه حسان بن ثابتٍ، ، فقال -قال ابن هشامٍ: وتروى لكعب بن مالكٍ ولغيره. قلت: وقول ابن إسحاق أشهر وأكثر، واللَّه أعلم-: [من البسيط]

سقتم كنانة جهلًا من سفاهتكم … إلى الرَّسول فجند اللَّه مخزيها

أوردتموها حياض الموت ضاحيةً … فالنَّار موعدها والقتل لاقيها

جمعتموهم أحابيشًا بلا حسبٍ … أئمة الكُفْر غرّتكم طواغيها

ألّا اعتبرتم بخيل اللَّه إذ قَتلت … أهل القليب ومن ألقينه فيها

كم من أسيرٍ فككناه بلا ثمنٍ … وجزِّ ناصيةٍ كنا مواليها

قال ابن إسحاق (٢): وقال كعب بن مالكٍ، يجيب هُبيرة بن أبي وهبٍ المخزوميّ أيضًا: [من الطويل]

ألا هل أتى غسّان عنا ودونهم … من الأرض خرقٌ سيره متنعنعُ

صحارٍ وأعلامٌ كأنّ قتامها … من البعد نقعٌ هامدٌ متقطّع

تظلّ به البُزل العراميس رزّحًا … ويخلو به غيث السنين فيمرع

به جيف الحسرى يلوح صليبها … كما لاح كتّان التّجار الموضّع

به العين والآرام يمشين خلفةً … وبيض نعامٍ قيضه يتفلّع

مُجالدنا عن ديننا كلّ فخمةٍ … مذرّبةٍ فيها القوانس تلمع

وكلّ صموتٍ في الصّوان كأنها … إذا لبست نِهيٌ من الماء مترع


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ١٣١) والأبيات في "ديوان حسَّان بن ثابت" (١/ ١٦٦) مع بعض الخلاف في ألفاظها.
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ١٣٢) والأبيات في "ديوان كعب بن مالك الأنصاري" ص (١٨٠ - ١٨٥).