للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الناس من قرأ (وما أُنزل على الملِكين) بالكسر، ويجعلهما علجين من أهل فارس، قاله الضحَّاك (١). ومن الناس من يقول: هما مَلَكان من السماء، ولكن سبقَ في قدر اللَّه ما ذكره من أمرهما إن صحَّ به الخير، ويكون حكمهما كحكم إبليس إن قيل: إنه من الملائكة، لكن الصحيح أنه من الجنِّ كما سيأتي تقريره.

ومن الملائكة المسمَّيْن في الحديث: منكر ونكير . وقد استفاضَ في الأحاديث ذِكْرُهُما في سؤال القبر. وقد أوردناها (٢) عند قوله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧] وهما فتَّانا القبر، موكَّلان بسؤال الميت في قبره عن ربِّه ودينه ونبيه، ويمتحنان البرَّ والفاجرَ، وهما أزرقان أفرقان، لهما أنيابٌ وأشكالٌ مزعجة، وأصواتٌ مفزعة، أجارنا اللَّه من عذاب القبر، وثبَّتنا بالقول الثابت آمين.

وقال البخاري (٣): حدَّثنا عبدُ اللَّه بن يُوسف، حدَّثنا ابنُ وَهْب، حدَّثني يونسُ، عن ابن شهاب، حدَّثني عروةُ؛ أنَّ عائشةَ زوجَ النبيِّ حدَّثته أنَّها قالتْ للنبي : هل أتى عليكَ يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: لقد لقيتُ من قومك ما لقتُ (٤)، وكان أشدَّ ما لقيتُ منهم يومَ العقبة، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبدِ كُلال فلم يُجبْني إلى ما أردتُ، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفقْ إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب، فرفعتُ رأسي، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريلُ، فناداني، فقال: إنَّ اللَّه قد سمعَ قولَ قومِكَ لكَ وما ردُّوا به عليكَ، وقد بعثَ اللَّهُ إليكَ (٥) ملَكَ الجبال لتأمرَه بما شئتَ فيهم، فناداني ملَكُ الجبال فسَلَّم عليّ، ثم قال: يا محمَّد! فقال ذلك، فما شئتَ، إنْ شئتَ أنْ أُطْبِقَ عليهم الأخشبين. فقال النبي : "بلْ أرجو أنْ يُخْرِجَ اللَّه من أصلابهم منْ يَعْبُدُ اللَّهَ وحدَه ولا يُشركُ به شيئًا". ورواه مسلم (٦) من حديث ابن وهب به.

فصل: ثم الملائكة بالنسبة إلى ما هيَّأهم اللَّه له أقسام:

فمنهم حَمَلةُ العرشِ، كما تقدَّم ذكرهم، ومنهم الكروبيون الذين هم حولَ العرش، وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقرَّبون، كما قال تعالى: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [النساء: ١٧٢]. ومنهم جبريل وميكائيل ، وقد ذكر اللَّه عنهم


(١) انظر تفسير القرطبي (١/ ٥٢) والعلج: الرجل من كفار العجم.
(٢) انظر تفسير ابن كثير (٢/ ٦٥٥ - ٦٦٣) وفي أ: وقد أوردنا.
(٣) في صحيحه (٣٢٣١).
(٤) سقطت من الأصول، وأثبتها من صحيح البخاري.
(٥) في ب: والمطبوع: بعث لك.
(٦) في صحيحه (١٧٩٥) في الجهاد.