للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أقبل على القوم فقال: أما واللَّه لولا أن تظنّوا أني إنما طوّلت جزعا من القتل، لاستكثرت من الصلاة. قال: فكان خبيبٌ أول من سنّ هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين.

قال: ثم رفعوه على خشبةٍ، فلمّا أوثقوه قال: اللهمّ إنا قد بلّغنا رسالة رسولك، فبلّغه الغداة ما يصنع بنا. ثم قال: اللهمّ أحصهم عددًا، واقتلهم بَدَدًا، ولا تغادر منهم أحدًا. ثم قتلوه. وكان معاوية بن أبي سفيان يقول: حضرته يومئذٍ فيمن حضره مع أبي سفيان، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقًا من دعوة خبيبٍ، وكانوا يقولون: إنّ الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه، زلّت عنه.

فائدةٌ: قال السّهيلّيّ (١): وإنَّما صارت الركعتان سنَّةً -يعني عند القتل- لأنها فعلت في زمان النبيّ ، فأقرّ عليها، واستحسنت من صنيعه. قال: وقد صلّاها زيد بن حارثة في حياة النبيّ . ثم ساق (٢) بإسناده من طريق أبي بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معينٍ، عن يحيى بن عبد اللَّه بن بكيرٍ، عن اللّيث بن سعدٍ قال: بلغني أن زيد بن حارثة استأجر من رجلٍ بغلًا من الطائف، واشترط عليه المكري أن ينزله حيث شاء، فمال به إلى خرِبةٍ، فإذا بها قتلى كثيرةٌ، فلمّا همّ بقتله قال له زيدٌ: دعني حتى أصلّي ركعتين. فقال: صلّ ركعتين، لطالما صلّى هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئًا. قال: فصلّيت ثم جاء ليقتلني، فقلت: يا أرحم الراحمين. فإذا صارخٌ يقول: لا تقتله، فهاب وذهب ينظر، فلم ير شيئًا، ثم جاء ليقتلني فقلت: يا أرحم الراحمين. فسمع أيضًا الصوت يقول: لا تقتله. فذهب لينظر ثم جاء، فقلت: يا أرحم الراحمين. فإذا أنا بفارسٍ على فرسٍ، في يده حربةٌ في رأسها شُعْلةٌ من نارٍ، فطعنه بها حتى أنفذه فوقع ميتًا. ثم قال: لمّا دعوتَ اللَّه في المرة الأولى كنت في السماء السابعة، ولمّا دعوته في المرة الثانية كنت في السماء الدّنيا، ولمّا دعوته في الثالثة أتيتك. قال السّهيليّ: وقد صلّاها حجر بن عديٍّ بن الأدبر حين حمل إلى معاوية من العراق، ومعه كتاب زياد بن أبيه، وفيه أنّه خرج عليه وأراد خلعه، وفي الكتاب شهادة جماعةٍ من التابعين، منهم الحسن وابن سيرين، فلمّا دخل على معاوية قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. قال: أوَ أنا أمير المؤمنين؟ وأمر بقتله، فصلّى ركعتين قبل قتله، . قال: وقد عاتبت معاوية عائشة في قتله، فقال: إنّما قتله من شهد عليه. ثم قال: دعيني وحجرًا، فإنّي سألقاه على الجادّة يوم القيامة. قالت: فأين ذهب عنك حلم أبي سفيان؟ قال: حين غاب عنّي مثلك من قومي.

وفي "مغازي موسى بن عقبة" (٣): أنّ خبيبًا وزيد بن الدّثنة قتلا في يومٍ واحدٍ، وأنّ رسول اللَّه سمع يوم قتلا وهو يقول: "وعليكما -أو عليك- السلام، خبيبٌ قتلته قريشٌ".


(١) انظر "الروض الأنف" (٦/ ١٩٢).
(٢) يعني السهيلي.
(٣) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٣/ ٣٢٦).