للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو عمر بن عبد البرّ (١)، عن علي بن عبد العزيز الجرجانيّ: ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد منافٍ.

قال ابن الأثير في "الغابة" (٢): وقيل: كانت تحت عبد اللَّه بن جحشٍ، فقتل عنها يوم أحدٍ.

قال أبو عمر: ولا خلاف أنها ماتت في حياة رسول اللَّه ، وقيل: لم تلبث عنده إلا شهرين أو ثلاثة حتى توفيت، .

وقال الواقديّ (٣): في شوالٍ من هذه السنة تزوج رسول اللَّه أمّ سلمة بنت أبي أميّة.

قلت: وكانت قبله عند زوجها، أبي أولادها، أبي سلمة بن عبد الأسد، وقد كان شهد بدرًا وأحدًا كما تقدّم، وجرح يوم أحدٍ، فداوى جرحه شهرًا حتى برأ، ثم خرج في سريةٍ، فغنم منها نَعَما ومغنمًا جيدًا، ثم أقام بعد ذلك سبعة عشر يومًا، ثم انتقض عليه جرحه، فمات لثلاثٍ بقين من جمادى الأولى من هذه السنة، فلما حلّت في شوالٍ خطبها رسول اللَّه إلى نفسها بنفسه الكريمة، وبعث إليها عمر بن الخطاب في ذلك مرارًا، فتذكر أنها امرأةٌ غيرى؛ أي شديدة الغيرة، وأنها مُصبيةٌ؛ أي لها صبيانٌ يشغلونها عنه، ويحتاجون إلى مؤنةٍ، تحتاج معها أن تعمل لهم في قوتهم، فقال: "أما الصّبية فإلى اللَّه وإلى رسوله -أي نفقتهم- ليس إليك، وأما الغيرة فأدعو اللَّه فيذهبها". فأذنت في ذلك، وقالت لعمر آخر ما قالت له: قم، فزوّج النبيّ . تعني: قد رضيت وأذنت. فتوهّم بعض العلماء أنها تقول لابنها عمر بن أبي سلمة، وقد كان إذ ذاك صغيرًا لا يلي مثله العقد، وقد جمعت في ذلك جزءًا مفردًا بينت فيه الصواب في ذلك، وللَّه الحمد والمنة، وأن الذي ولي عقدها عليه ابنها سلمة بن أبي سلمة، وهو أكبر ولدها، وساغ هذا؛ لأن أباه ابن عمّها، فللابن ولاية أمّه إذا كان سببًا لها من غير جهة البنوّة بالإجماع. وكذا إذا كان معتقًا أو حاكمًا، فأما محض البنوة فلا يلي بها عقد النكاح عند الشافعيّ وحده، وخالفه الثلاثة؛ أبو حنيفة ومالكٌ وأحمد بن حنبلٍ، ، ولبسط هذا موضعٌ آخر يذكر فيه، وهو كتاب النِّكاح من "الأحكام الكبير"، إن شاء اللَّه.

قال الإمام أحمد (٤): ثنا يونس، ثنا ليث، يعني ابن سعدٍ، عن يزيد بن عبد اللَّه بن أسامة بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرٍو، عن المطلب، عن أمّ سلمة قال: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول اللَّه فقال: لقد سمعت من رسول اللَّه قولًا فسررت به؛ قال: "لا يصيب أحدًا من المسلمين مصيبةٌ، فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهم أجُرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها. إلا فعل به". قالت


(١) انظر "الاستيعاب" (٤/ ١٨٥٤).
(٢) يعني في "أسد الغابة" والنقل فيه (٧/ ١٢٩).
(٣) انظر "المغازي" (١/ ٣٤٤).
(٤) رواه أحمد في "المسند" (٤/ ٢٧)، والمطلب روايته عن الصحابة مرسلة، إلا أمثال أنس بن مالك، وسهل بن سعد، وسلمة بن الأكوع ومن كان قريبًا من طبقتهم، ولكن يشهد للحديث ما بعده.