للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا على قول من ذهب إلى أن أول التاريخ من محرم السنة التالية لسنة الهجرة، ولم يعدوا الشهور الباقية من سنة الهجرة من ربيع الأول إلى آخرها، كما حكاه البيهقي، وبه قال يعقوب بن سفيان الفَسَوي، وقد صرّح بأن بدرًا في الأولى، وأحدًا في سنة ثنتين، وبدرًا الموعد في شعبان سنة ثلاث، والخندق في شوال سنة أربع. وهذا مخالف لقول الجمهور؛ فإن المشهور أن أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب جعل أول التاريخ من محرم سنة الهجرة. وعن مالك: من ربيع الأول سنة الهجرة، فصارت الأقوال ثلاثة، واللَّه أعلم.

والصحيح قول الجمهور أن أُحدًا في شوال سنة ثلاث، وأن الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة، واللَّه أعلم.

فأما الحديث المتفق عليه في "الصحيحين" (١) من طريق عبيد اللَّه، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: "عُرضتُ على رسول اللَّه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يُجزني، وعُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني".

فقد أجاب عنه جماعة من العلماء، منهم البيهقي (٢) بأنه عُرض يوم أحد في أول الرابعة عشرة، ويوم الأحزاب في أواخر الخامسة عشر (٣).

قلت: ويحتمل أنه أراد أنّه لما عرض عليه [في] يوم الأحزاب، كان قد استكمل خمس عشرة سنة، التي يجاز لمثلها الغِلمان، فلا يبقى على هذا زيادة عليها. ولهذا لما بلّغ نافعٌ عمرَ بن عبد العزيز هذا الحديث قال: إن هذا لفرق بين الصغير والكبير، ثم كتب به إلى الآفاق، واعتمد على ذلك جمهور العلماء، واللَّه أعلم.

وهذا سياق القصة، مما ذكره ابن إسحاق وغيره:

قال ابن إسحاق (٤): ثم كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس، فحدثني يزيد بن رُومان، عن عُروة، ومن لا أتَّهم، عن عبد اللَّه بن كعب بن مالك، ومحمد بن كعب القُرظي، والزُّهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللَّه بن أبي بكر، وغيرهم من علمائنا، وبعضهم يُحَدِّث ما لا يحدِّث بعض، قالوا: إنه كان من حديث الخندق أن نفرًا من اليهود - منهم: سلّام بن أبي الحُقيق النّضري، وحُييّ بن أخطب النّضري، وكِنَانَة بن الرَّبيع بن أبي الحُقيق، وهَوْذَة بن قيس الوائلي، وأبو عَمَّار الوائلي، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزَّبوا الأحزاب على رسول اللَّه ،


(١) رواه البخاري رقم (٢٦٦٤) و (٤٠٩٧) ومسلم رقم (١٨٦٨).
(٢) انظر "دلائل النبوة" (٣/ ٣٩٦).
(٣) انظر "زاد المعاد" (٣/ ٢٤١).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢١٤).