للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): وحدثني من لا أتَّهم، عن عبد الله بن كعب بن مالك أنه كان يقول: ما أصاب سعدًا يومئذ إلا أبو أسامة الجشمي، حليف بني مخزوم. وقد قال أبو أسامة في ذلك شعرًا، قاله لعِكْرِمَة بن أبي جهل:

أعكرم هلا لمتني إذ تقول لي … فداك بآطام المدينة خالدُ

ألست الذي ألزمت سعدًا مرشة … لها بين أثناء المرافق عاند

قضى نحبه منها سعيد فأعولت … عليه مع الشمط العذارى النواهِدُ

وأنت الذي دافعت عنه وقد دعا … عُبيدة جمعًا منهم إذ يكابد

على حين ما هم جائر عن طريقه … وآخر مرعوب عن القصد قاصد

قال ابن إسحاق (٢): والله أعلم أي ذلك كان. قال ابن هشام: ويقال: إن الذي رمى سعدًا خفاجة بن عاصم بن حبان.

قلت: وقد استجاب الله دعوة وليه سعد بن معاذ في بني قريظة، أقر الله عينه؛ فحكم فيهم بقدرته وتيسيره، وجعلهم هم الذين يطلبون ذلك، كما سيأتي بيانه، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، حتى قال له رسول الله : "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" (٣).

قال ابن إسحاق (٤): وحدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزُّبير، عن أبيه عَبَّاد، قال: كانت صفية بنت عبد الله في فارعٍ حصن حسَّان بن ثابت، قال: وكان حسَّان معنا فيه مع النساء والصبيان. قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آتٍ، فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَن وراءنا من يهود، وقد شغل رسول الله وأصحابه، فانزل إليه فاقتله. قال: يغفر الله لك يا بنة عبد المطلب، والله لقد عرفتِ ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئًا، احتجزت ثم أخذت عمودًا، ثم نزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه، رجعت إلى الحصن، فقلت: يا حسان، انزل فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. قال: ما لي بسلبه حاجة يا بنة عبد المطلب.


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢٧).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢٧).
(٣) رواه البخاري (٣٠٤٣) ومسلم (١٧٦٨) من حديث أبي سعيد الخدري ورواه النسائي في الكبرى رقم (٨٢٢٣) بزيادة "من فوق سبع سموات" وهي زيادة صحيحة بلفظ "لقد حكمت فيهم بحكم الملك" ورواية كتابنا: رواها ابن إسحاق مرسلة وابن قدامة المقدسي في "العلو" مرسلة، فهي ضعيفة بهذا اللفظ.
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢٨).