للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نُعيم بن مسعود لَحق، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم، وخلَّوا بينكم وبين الرجل في بلدكم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رُهُنًا. فابوا عليهم، وخذَّل الله بينهم، وبعث الله الرِّيح في ليلة (١) شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم.

وهذا الذي ذكره ابن إسحاق (٢) من قصة نُعيم بن مسعود أحسن مما ذكره موسى بن عقبة. وقد أورده عنه البيهقي في "الدلائل" (٣)، فإنه ذكر ما حاصله أن نُعيم بن مسعود كان يُذيع ما يسمعه من الحديث، فاتفق أنه مر برسول الله ذات يومٍ عشاءً، فأشار إليه أن تعال، فجاء فقال: "ما وراءك؟ ". فقال: إنه قد بعثت قريش وغطفان إلى بني قريظة يطلبون منهم أن يخرجوا إليهم فيناجزوك، فقالت بنو قريظة: نعم. فأرسلوا إلينا بالرُّهُن. وقد ذكر، كما تقدم، أنهم إنما نقضوا العهد على يدي حُيي بن أخطب، بشرط أن يأتيهم برهائن تكون عندهم توثقة، قال: فقال له رسول الله :، إني مُسِرٌّ إليك شيئًا فلا تذكره". قال: "إنهم قد أرسلوا إليَّ يدعونني إلى الصُّلح وأَرُدُّ بني النضير إلى دورهم وأموالهم". فخرج نُعيم بن مسعود عامدًا إلى غطفان، وقال رسول الله : "الحرب خُدْعَة، وعسى أن يصنع الله لنا". فأتى نعيم غطفان وقريشًا فأعلمهم، فبادر القوم وأرسلوا إلى بني قريظة عكرمة وجماعة معه، واتفق ذلك ليلة السبت، يطلبون منهم أن يخرجوا للقتال معهم، فاعتلت اليهود بالسبت، ثم أيضًا طلبوا الرهن توثقة، فأوقع الله بينهم واختلفوا.

قلت: وقد يحتمل أن [تكون] قريظة لما يئسوا من انتظام أمرهم مع قريش وغطفان، بعثوا إلى رسول الله يطلبون منه الصلح على أن يردَّ بني النضير إلى المدينة، والله أعلم.

قال ابن إسحاق (٤): فلما انتهى إلى رسول الله ما اختلف من أمرهم وما فرّق الله من جماعتهم، دعا حُذيفة بن اليمان، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلًا.

قال ابن إسحاق (٥): فحدثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، أرأيتم رسول الله وصحبتموه؟ قال: نعم يا بن أخي قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجتهد. قال: فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال: فقال حذيفة: يابن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله بالخندق، وصلى رسول الله هوتًا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: "مَن رجل يقوم فينظر لنا ما فعل


(١) في "السيرة النبوية" لابن هشام: "في ليال".
(٢) في "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٢٩).
(٣) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٣/ ٤٠٤).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٣١).
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٣١).