للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومشفقةٍ تظنُّ بنا الظُّنونا … وقد قُدنا عَرندسةً طَحُونَا

كأنَّ زُهاءها أُحُدٌ إذا ما … بدت أركانُه للناظرينَا

ترى الأبدان فيها مُسبِغات … على الأبطال واليَلَبَ الحصينَا

وجُردًا (١) كالقداح مسوَّمات … نؤمُّ بها الغُواة الخاطئينَا

كأنَّهمُ إذا صالوا وصلنا … بباب الخندفين مصافحونَا

أُناس لا نرى فيهم رشيدًا … وقد قالوا ألسنا راشدينَا

فأحجرناهمُ شهرًا كريتا (٢) … وكنَّا فوقهم كالقاهرينَا

نراوحهم ونغدو كلَّ يوم … عليهم في السِّلاح مدجَّجينَا

بأيدينا صوارم مُرهفات … نقدُّ بها المفارق والشُّؤونَا

كأنَّ وميضهنَّ معرَّياتٍ … إذا لاحت بأيدي مصلِتينَا

وميض عقيقة لَمعت بليلٍ … ترى فيها العقائق مستبينَا

فلولا خندقٌ كانوا لديه … لدمَّرنا عليهم أجمعينَا

ولكن حال دونهمُ وكانوا … به من خوفنا متعوِّذينا

فإن نرحل فإنَّا قد تركنا … لدى أبياتكم سعدًا رهينا

إذا جنَّ الظّلام سمعت نَوْحَى … على سعد يرجِّعن الحنينا

وسوف نزوركم عمَّا قريبٍ … كما زرناكم متوازرينَا

بجمع من كنانة غير عُزْلٍ … كأُسد الغاب إذ حَمَتِ العرينَا

قال: فأجابه كعب بن مالك أخو بني سلمة، (٣)، فقال: [من الوافر]

وسائلةٍ تُسائل ما لقينا … ولو شهدت رأتنا صابرينَا

صبرنا لا نرى لله عِدلًا … على ما نابنا متوكِّلينَا

وكان لنا النَّبيُّ وزيرَ صدقٍ … به نعلو البريَّة أجمعينَا

نقاتل معشرًا ظلموا وعقُّوا … وكانوا بالعداوة مُرصدينَا

نعاجلهم إذا نهضوا إلينا … بضرب يُعْجِلُ المُتَسرِّعينَا

ترانا في فضافضَ سابغات … كغدران المَلَا متسربلينَا

وفي أيماننا بيض خِفَافٌ … بها نشفي مراح الشاغبينَا

بباب الخندقين كأنَّ أُسدًا … شوابكهنَّ يحمين العرينَا


(١) في (آ): "وخودًا" وأثبت لفظ (ط)، و"السيرة النبوية" لابن هشام، والجرد: الخيل العتاق.
(٢) الكريت: التام الكامل.
(٣) الأبيات في "ديوانه" ص (٢١٥).