للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأغلظك. قال: فتبسّم رسول اللّه ، فقال له عروة: من هذا يا محمّد؟ قال: "هذا ابن أخيك، المغيرة بن شعبة". قال: أي غدر، وهل غَسَلْتُ سَوْءَتَكَ إلَّا بالأمس؟!

قال الزّهريّ: فكلَّمه رسول اللّه ، بنحو ممّا كلّم به أصحابه، وأخبره أنه لم يأت يريد حربًا، فقام من عند رسول اللّه ، وقد رأى ما يصنع به أصحابه، لا يتوضأ إلّا ابتدروا وضوءه، ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه، ولا يسقط من شعره شيء إلّا أخذوه، فرجع إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنّجاشيّ في ملكه، وإني واللّه ما رأيت ملكًا في قومه قطّ مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قومًا لا يُسلمونه لشيء أبدًا، فَرَوا رأيكم.

قال ابن إسحاق (١): وحدّثني بعض أهل العلم أن رسول اللّه دعا خراش بن أمية الخزاعيّ، فبعثه إلى قريش بمكة، وحمله على بعير له، يقال له: الثّعلب. ليبلّغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا به جمل رسول اللّه ، وأرادوا قتله، فمنعه الأحابيش، فخلّوا سبيله، حتى أتى رسول اللّه .

قال ابن إسحاق (٢): وحدّثني بعض من لا أتّهم، عن عكرمة، [عن ابن عباس] أن قريشًا كانوا بعثوا أربعين رجلًا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يُطيفوا بعسكر رسول اللّه []، ليصيبوا لهم من أصحابه أحدًا، فأُخذوا [أخذًا]، فأُتي بهم رسول اللّه ، فعفا عنهم وخلّى سبيلهم، وقد كانوا رموا في عسكر رسول اللّه بالحجارة والنّبل، ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلّغ عنه أشراف قريش ما جاء له، فقال: يا رسول اللّه، إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها وغلظتي عليها، ولكني أدلّك على رجل أعزّ بها مني، عثمان بن عفان. فدعا رسول اللّه عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرًا لهذا البيت ومعظِّمًا لحرمته، فخرج عثمان إلى مكة، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة، أو قبل أن يدخلها، فحمله بين يديه، ثم أجاره حتى بلَّغ رسالة رسول اللّه ، فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعُظماء قريش، فبلَّغهم عن رسول اللّه ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين بلّغ رسالة رسول اللّه إليهم: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف. قال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول اللّه . واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللّه والمسلمين أن عثمان قد قتل.

قال ابن إسحاق (٣): فحدّثني عبد اللّه بن أبي بكر أن رسول اللّه قال حين بلغه أن عثمان قد قتل: "لا نبرح حتى نناجز القوم". ودعا رسول اللّه إلى البيعة، فكانت بيعة الرّضوان تحت الشجرة،


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣١٤).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣١٤ - ٣١٥)، و"الروض الأنف" (٦/ ٤٥٩).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣١٥ - ٣١٦).