للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال [البخاريّ] (١): ثنا أبو اليَمَان، ثنا شعيب، عن الزهريّ، أخبرني سعيد بن المسيّب أن أبا هريرة قال: شهدنا خيبر، فقال رسول الله لرجل ممّن معه يدَّعي الإسلام: "هذا من أهل النار". فلمَّا حضر القتال قاتل الرجل أشدّ القتال، حتى كثرت به الجراحة، حتى كاد بعض الناس يرتاب، فوجد الرجل ألم الجراحة، فأهوى بيده إلى كنانته، فاستخرج منها أسهمًا فنحر بها نفسه، فاشتدّ رجال من المسلمين فقالوا: يا رسول الله، صدّق الله حديثَك، انتحر فلان فقتل نفسه. فقال: "قم يا فلان، فأذِّن أنه لا يدخل الجنة إلَّا مؤمن، وأنّ الله يؤيّد الدين بالرجل الفاجر".

وقد روى موسى بن عقبة (٢) قصة العبد الأسود؛ الذي رزقه اللّه الإيمان والشهادة في ساعةٍ واحدةٍ، وكذلك رواها ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عُرْوَة، قالا: وجاء عبد حبشيّ أسود، من أهل خيبر، كان في غنم لسيده، فلمَّا رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح سألهم قال: ما تريدون؟ قالوا: نقاتل هذا الرجل الذي يزعم أنه نبيّ. فوقع في نفسه ذكر النَّبِيّ ، فأقبل بغنمه حتى عمَد لرسول الله ، فقال: إلى ما تدعو؟ قال: "أدعوك إلى الإسلام؛ أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن لا تعبد إلا الله". قال: فقال العبد: فماذا يكون لي إن شهدتُ بذلك وآمنت باللّه؛ قال رسول الله : "الجنة إن متّ على ذلك". فأسلم العبد فقال: يا نبي الله، إن هذه الغنم عندي أمانة. فقال رسول اللّه : "أخرجها من عسكرنا وارمها بالحصباء، فإن اللّه سيؤدِّي عنك أمانتك". ففعل فرجعت الغنم إلى سيدها، فعرف اليهوديّ أن غلامه قد أسلم. فقام رسول الله فوعظ الناس، فذكر الحديث في إعطائه الراية عليًّا، ودنوّه من حصن اليهود وقتلِه مرحبًا، وقتل مع على ذلك العبد الأسود، فاحتمله المسلمون إلى عسكرهم، فأُدخل في الفُسطاط، فزعموا أن رسول الله اطلع في الفسطاط، ثم اطلع على أصحابه فقال: "لقد أكرم اللّه هذا العبد وساقه إلى خير، قد كان الإسلام من نفسه حقًا، وقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين".

وقد روى الحافظ البيهقيّ (٣) من طريق ابن وهب، عن حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، عن شرحبيل بن سعد، عن جابر بن عبد الله قال: كنا مع رسول الله في غزوة خيبر، فخرجت سريّة، فأخذوا إنسانًا معه غنم يرعاها، فذكر نحو قصة هذا العبد الأسود، وقال فيه: قتل شهيدًا وما سجد لله سجدة.

ثم قال البيهقيّ (٤): أنبأ محمد بن محمد بن مَحْمِش الفقيه (٥)، أنبأ أبو بكر القطّان، أنبأ أبو الأزهر،


(١) رقم (٤٢٠٣).
(٢) انظر "دلائل النبوة" (٤/ ٢١٩).
(٣) في "دلائل النبوة" (٤/ ٢٢١).
(٤) في "دلائل النبوة" (٤/ ٢٢١).
(٥) انظر "شذرات الذهب" (٥/ ٦٠).