للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج، فقال: ما فعل زوجكِ؟ فأخبرته أنه ذهب يوم كذا وكذا، وقالت: لا يحزنك اللّه يا أبا الفضل، لقد شقَّ علينا الذي بلغك. قال: أجل، لا يُحزنني اللّه، ولم يكن بحمد اللّه إِلَّا ما أحببنا، فتح اللّه خيبر على رسوله، وجرت فيها سهام اللّه، واصطفى رسول الله صفيةَ لنفسه، فإن كانت لك حاجة في زوجك فالحقي به. قالت: أظنُّك واللّه صادقًا. قال: فإني صادق، والأمر على ما أخبرتك. ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش، وهم يقولون إذا مرَّ بهم: لا يصيبك إِلَّا خير يا أبا الفضل. قال: لم يصبني إِلَّا خير بحمد اللّه، أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها اللّه على رسوله، وجرت فيها سهام اللّه، واصطفى صفية لنفسه، وقد سألني أن أخفي عليه ثلاثًا، وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شيء هاهنا، ثم يذهب. قال: فردَّ اللّه الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين، وخرج المسلمون ومن كان دخل بيته مكتئبًا حتى أتوا العباس، فأخبرهم الخبر، فسُرَّ المسلمون وردَّ اللّه ما كان من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين.

وهذا الإسناد على شرط الشيخين، ولم يخرّجه أحد من أصحاب الكتب الستة سوى النَّسائيِّ (١)، عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، به نحوه.

ورواه الحافظ البيهقيُّ (٢)، من طريق محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق.

ورواه أيضًا (٣) من طريق يعقوب بن سفيان، عن زيد بن المبارك، عن محمد بن ثور، عن مَعْمَر، به نحوه.

وكذلك ذكر موسى بن عقبة في "مغازيه" (٤) أن قريشًا كان بينهم تراهن عظيم وتبايع، منهم من يقول: يظهر محمد وأصحابه. ومنهم من يقول: يظهر الحليفان ويهود خيبر. وكان الحجَّاج بن علاط السُّلميُّ ثم البهزيّ قد أسلم وشهد مع رسول اللّه فتح خيبر، وكانت تحته أمُّ شيبة أخت [بني] عبد الدار بن قصيٍّ، وكان الحجَّاج مكثرًا من المال، وكانت له معادن أرض بني سليم، فلما ظهر رسول اللّه على خيبر، استأذن الحَجَّاج رسول اللّه في الذَّهاب إلى مكَّة يجمع أمواله، فأذن له، فذكر نحو ما تقدَّم، واللّه أعلم.

قال ابن إسحاق (٥): ومما قيل من الشعر في غزوة خيبر قول حَسَّان (٦): [من الخفيف]


(١) في "السنن الكبرى" رقم (٨٦٤٦).
(٢) في "دلائل النبوة" (٤/ ٢٦٨).
(٣) يعني الحافظ البيهقيّ، وهو عنده في "دلائل النبوة" (٤/ ٢٦٨).
(٤) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٤/ ٢٦٥).
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٤٧).
(٦) الأبيات في "ديوانه" (١/ ٣٦٩) مع بعض الخلاف.