للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال موسى بن عقبة (١)، عن الزهريِّ: ثم خرج رسول الله من العام القابل من عام الحُديبية معتمرًا، في ذي القعدة سنة سبع، وهو الشهر الذي صدَّه المشركون عن المسجد الحرام، حتى إذا بلغ يأجَج وضع الأداة كلَّها؛ الحجف والمجانَّ والرماح والنَّبل، ودخلوا بسلاح الراكب؛ السيوف، وبعث رسول الله بين يديه جعفر بن أبي طالب إلى ميمونة بنت الحارث العَامِريَّة، فخطبها عليه، فجعلت أمرها إلى العباس، وكان تحته أختها أمُّ الفضل بنت الحارث، فزوَّجها العباس رسول الله ، فلمَّا قدم رسول الله ، أمر أصحابه فقال: "اكشفوا عن المناكب، واسعوا في الطواف". ليرى المشركون جلدهم وقوَّتهم، وكان يكايدهم بكلِّ ما استطاع، فاستكفَّ أهل مكة؛ الرجال والنساء والصِّبيان، ينظرون إلى رسول الله وأصحابه، وهم يطوفون بالبيت، وعبد الله بن رواحة يرتجز بين يدي رسول الله متوشِّحًا بالسيف، وهو يقول (٢): [من الرجز]

خلُّوا بني الكُفَّار عن سبيله … خلّوا فَكُلُّ الخيرِ في رَسُولِهِ (٣)

قد أنزل الرحمن في تنزيله … في صحُف تتلى على رسوله

فاليوم نضربكم على تأويله … كما ضربناكم على تنزيله

ضربًا يزيل الهام عن مقِيله … ويذهل الخليل عن خليله

قال: وتغيَّب رجال من أشراف المشركين أن ينظروا إلى رسول الله ؛ غيظًا وحنقًا، ونفاسة، وحسدًا، وخرجوا إلى الخندمة، فقام رسول الله بمكة، وأقام ثلاث ليال، وكان ذلك آخر القضية يوم الحديبية، فلمَّا أن أصبح من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزَّى، ورسول الله في مجلس الأنصار يتحدَّث مع سعد بن عبادة، فصاح حويطب بن عبد العزَّى: نناشدك الله والعقد لمّا خرجت من أرضنا، فقد مضت الثلاث. فقال سعد بن عبادة: كذبت، لا أمَّ لك، ليس بأرضك ولا بأرض آبائك، والله لا يخرج. ثم نادى رسول الله سهيلًا وحويطبًا فقال: "إني قد نكحت فيكم امرأة، فما يضرُّكم أن أمكث حتى أدخل بها، ونصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا؟ ". فقالوا: نناشدك الله والعقد إلا خرجت عنا. فأمر رسول الله أبا رافع فأذَّن بالرحيل، وركب رسول الله حتى نزل بطن سرِف، وأقام المسلمون، وخلَّف رسول الله أبا رافع ليحمل ميمونة، وأقام بسرف حتى قدمت عليه ميمونة، [وقد لقيت ميمونة] ومن معها عناةً وأذى من سفهاء المشركين ومن


(١) انظر "دلائل النبوة" (٤/ ٣٢٥) و"زاد المعاد" (٣/ ٣٢٧).
(٢) انظر "ديوان عبد الله بن رواحة" ص (١٤٤) وهي في "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٧١) و "زاد المعاد" (٣/ ٣٢٨) و"الروض الأُنف" (٧/ ٨) مع تقديم وتأخير ونقصٍ وزيادة.
(٣) تنبيه: لفظ الشطرة الثانية في (آ) و (ط): "أنا الشهيد أنه رسوله" وأثبت لفظ "السيرة النبوية" لابن هشام و"ديوانه" ص (١٤٤).