للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له. قال: فشجَّع الناس عبد الله بن رَوَاحة وقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون لَلتي خرجتم تطلبون؛ الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدِّين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين؛ إما ظهور وإما شهادة. قال: فقال الناس: قد والله صدق ابن رَوَاحة، فمضى الناس، فقال عبد الله بن رَوَاحَة في محبسهم ذلك (١): [من الوافر]

جَلَبْنَا الخيل من أجإٍ وَفَرْعٍ … تُغَرُّ من الحشيش لها العُكُومُ

حَذْونَاهَا من الصَّوَّان سِبْتًا … أَزَلَّ كأَنَّ صَفْحَتَهُ أَديمُ

أقَامتْ ليلتينِ على معانٍ … فاُعقب بعد فَتْرَتِهَا جُمُومُ

فَرُحْنَا والجيادُ مُسوَّمات … تنفَّسُ في مناخِرِهَا السَّمُومُ

فلا وأبي مآبَ لنأتينها .. وإن كَانَتْ بها عَرَبٌ ورُوْمُ

فعبَّأنا أَعنَّتها فَجَاءَتْ … عوابسَ والغبارُ لها بريمُ

بذي لَجَب كأنَّ البَيضَ فيهِ … إذا برزت قَوَانِسُهَا النّجومُ

فراضيةُ المعيشة طلّقتْها … أَسِنَّتُنا فتنكحُ أو تَئِيْمُ

قال ابن إسحاق (٢): فحدَّثني عبد الله بن أبي بكر، أنه حُدِّث عن زيد بن أَرْقَم قال: كنت يتيمًا لعبد الله بن رواحة في حجره، فخرج بي في سفره ذلك، مُرْدِفي على حقيبةِ رَحْلِهِ، فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذا (٣): [من الوافر]

إِذا أدَّيتِني (٤) وحَمَلْتِ رَحْلِي … مَسِيْرَةَ أَرْبَعٍ بعدَ الحِسَاءِ (٥)

فَشَأْنُكَ أَنْعُمٌ وخَلاكِ ذَمٌّ … ولا أَرْجِعْ إلى أَهْلي وَرَائي

وجَاءَ المُسْلِمُونَ وغَادَرُوني … بأرض الشّام مشتهيَ الثَّواءِ

وردَّكِ كُلُّ ذي نسبٍ قريبٍ … إلى الرحمن مُنْقَطِعَ الإخاءِ

هُنَالِكَ لا أُبالي طَلْعَ بَعْلٍ … ولا نَخلٍ أسافلُها رَواءِ

قال: فلمَّا سمعتهن منه بكَيت، فخفقني بالدِّرَّة وقال: ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة، وترجع بين شعبتي الَّرحل؟! ثم قال عبد الله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز (٦): [من الرجز]


(١) الأبيات في "ديوانه" ص (١٤٩ - ١٥٠).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٧٦).
(٣) الأبيات في "ديوانه" ص (١٥١) وشرح الألفاظ عنه.
(٤) أي: أوصلتني. والخطاب للناقة الذي كان يركبها.
(٥) جمع حِسْي، ويجمع على أحساء أيضًا، وهو ماء يغور في الرمل حتى يجد صخرًا.
(٦) البيت في "ديوانه" ص (١٥٢) مع زيادة لم يبين جامعه مصدرها في موطنها عنده.