للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين وهو على المنبر، في قوله: "ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله على يديه". فما كان المسلمون ليسمُّوهم فُرَّارًا بعد ذلك، وإنما تلقَّوهم؛ إكرامًا لهم وإعظامًا، وإنما كان التأنيبُ وحَثي التُّراب للذين فرَّوا وتركوهم هنالك، وقد كان فيهم عبد الله بن عمر، .

وقد قال الإمام أحمد (١): ثنا حسن، ثنا زهير، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن عمر قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله ، فحاص الناس حيصة، وكنت فيمن حاص، فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبُؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا. ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله ، فإن كانت لنا توبة، وإلا ذهبنا. فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال: "مَن القوم؟ " قال: فقلنا: نحن الفرَّارون. فقال: "لا، بل أنتم العكَّارون، أنا فئتكم، وأنا فئة المسلمين". قال: فأتيناه حتى قبَّلنا يده.

ثم رواه عن غُنْدرٍ (٢)، عن شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن ابن عمر قال: كنّا في سريَّة ففررنا، فأردنا أن نركب البحر، فأتينا رسول الله فقلنا: يا رسول الله، نحن الفرَّارون. فقال: "لا، بل أنتم العكَّارون".

ورواه أبو داود، والترمذيُّ، وابن ماجة (٣) من حديث يزيد بن أبي زياد، وقال الترمذيُّ: حسن، لا نعرفه إلا من حديثه.

وقال أحمد (٤): ثنا إسحاق بن عيسى، وأسود بن عامر قالا: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر قال: بعثنا رسول الله في سريَّة، فلمَّا لقينا العدوَّ انهزمنا في أول غادية، فقدمنا المدينة في نفر ليلًا فاختفينا، ثم قلنا: لو خرجنا إلى رسول الله واعتذرنا إليه. فخرجنا إليه، فلمَّا لقيناه قلنا: نحن الفرَّارون يا رسول الله. قال: "بل أنتم العكَّارون، وأنا فئتكم". قال الأسود: "وأنا فئة كلِّ مسلم".

وقال ابن إسحاق (٥): حدَّثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عامر بن عبد الله بن الزُّبير، [عن بعض آل الحارث بن هشام، وهم أخواله] أنَّ أمَّ سلمة زوج النبي قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله ومع المسلمين؟ قالت: ما يستطيع أن


(١) رواه أحمد في "المسند" (٢/ ٧٠)، وإسناده ضعيف.
(٢) يعني الإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٨٦)، وإسناده ضعيف.
(٣) هو عند أبي داود رقم (٢٦٤٧) و (٥٢٢٣) والترمذي رقم (١٧١٦) وابن ماجه رقم (٣٧٠٤)، ويزيد بن أبي زياد، ضعيف.
(٤) رواه أحمد في "المسند" (٢/ ١١٠)، وإسناده ضعيف.
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٨٢).