للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صفيحة يمانية. وهذا يقضي أنَّهم أثخنوا فيهم قتلًا، ولو لم يكن كذلك لما قدروا على التخلُّص منهم، وهذا وحده دليل مستقلٌّ، والله أعلم.

وهذا هو اختيار موسى بن عقبة والواقديِّ والبيهقيِّ، وحكاه ابن هشام (١) عن الزهريِّ.

قال البيهقيُّ (٢)، : اختلف أهل المغازي في فرارهم وانحيازهم، فمنهم من ذهب إلى ذلك، ومنهم من زعم أن المسلمين ظهروا على المشركين، وأن المشركين انهزموا. قال: وحديث أنس بن مالك، عن النبيّ : "ثم أخذها خالد، ففتح الله عليه" يدلُّ على ظهورهم عليهم. والله أعلم.

قلت: وقد ذكر ابن إسحاق (٣) أن قُطبة بن قتادة العذريَّ، وكان رأس ميمنة المسلمين، حمل على مالك بن زافلة - قال ابن هشام: ويقال: رافلة. بالراء - وهو أمير أعراب النَّصارى، فقتله، وقال يفتخر بذلك: [من المتقارب]

طعنتُ ابن زافلةَ بن الإراش … برُمحٍ مضى فيه ثم انحطَمْ

ضربت على جيده ضربة … فمال كما مال غصن السَّلَمْ

وسقنا نساء بني عمِّه … غداة رقوقين سوق النَّعَمْ

وهذا يؤيِّد ما نحن فيه؛ لأنَّ من عادة أمير الجيش إذا قتل، أن يفرَّ أصحابه، ثم إنَّه صرَّح في شعره بأنهم سبوا من نسائهم، وهذا واضح فيما ذكرناه. والله أعلم. وأمَّا ابن اسحاق فإنه ذهب إلى أنه لم يكن إلا المخاشاة والتخلُّص من أيدي الروم، وسمَّى هذا نصرًا وفتحًا؛ أي: باعتبار ما كانوا فيه من إحاطة العدوِّ بهم، وتراكمهم وتكاثرهم وتكاثفهم عليهم، فكان مقتضى العادة أن يصطلموا بالكليَّة، فلمَّا تخلَّصوا منهم وانحازوا عنهم، كان هذا غاية المرام في هذا المقام، وهذا محتمل، لكنَّه خلاف الظاهر من قوله : "ففتح الله عليهم".

والمقصود أن ابن اسحاق يستدلُّ على ما ذهب إليه، فقال: وقد قال - فيما كان من أمر الناس، وأمر خالد بن الوليد، ومخاشاته بالناس، وانصرافه بهم - قيس بن المحسَّر اليعمريُّ، يعتذر ممَّا صنع يومئذ وصنع الناس: [من الطويل]

فواللّه لا تَنْفَكُّ نفسي تَلُومني … على موقفي والخَيل قابعةٌ قُبْلُ

وقفت بها لا مُستجِيرًا فنافذًا … ولا مانعًا من كان حمَّ لَهُ القَتْلُ

على أنَّني آسيت نفسي بخالدٍ … أَلا خالدٌ في القوم ليس له مِثْلُ


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٨٣).
(٢) انظر "دلائل النبوة" (٤/ ٣٧٥).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٣٨١).