للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصفر (١) يخافونه في سلطانهم.

قال ابن إسحاق (٢): وحدثني الزّهريّ قال: حدثني أُسقفٌّ من النَّصارى، قد أدرك ذلك الزمان قال: قدم دِحْيَةُ بن خليفة على هِرَقْل بكتاب رسول الله فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هِرَقْلَ عظيم الزوم، سَلَامٌ على من اتَّبَع الهُدَى.

أمّا بعد: فأسلِم تَسلَم، وأَسلِم يؤتك الله أَجْرَكَ مَرَّتين، فإن أَبَيْتَ فإنَّ إثم الأكّارين (٣) عَلَيْكَ".

قال: فلمّا انتهى إليه كتابه وقرأه، أخذه فجعله بين فخذه وخاصرته، ثم كتب إلى رجل من أهل رُومية، كان يقرأ من العِبْرَانِيّة ما يقرأ، يخبره عما جاءه من رسول الله ، فكتب إليه: إنه النبيُّ الذي ينتظر لا شك فيه، فاتّبعه. فأمر بعظماء الرُّوم، فجمعوا له فى دَسْكرة (٤) ملكه، ثم أمر بها فأشرجت عليهم، واطلع عليهم من عِلِّيّة له وهو منهم خائف، فقال: يا معشر الرُّوم، إنه قد جاءني كتاب أحمد، وإنه والله النبيّ الذي كُنَّا ننتظر ونجد ذكره فى كتابنا، نعرفه بعلاماته وزمانه، فأسلموا واتبعوه تسلم لكم دنياكم وآخرتكم. فنخروا نَخرة رجل واحد، وابتدروا أبواب الدَّسكرة فوجدوها مُغْلَقةً دونهم، فخافهم وقال: ردُّوهم عليَّ. فردّوهم عليه، فقال لهم: يا معشر الرُّوم، إني إنما قلت لكم هذه المقالة أختبركم بها؛ لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فلقد رأيت منكم ما سرَّني. فوقعوا له سُجَّدًا، ثم فتحت لهم أبواب الدَّسْكَرَة فخرجوا.

وقد روى البخاريُّ قصة أبي سفيان مع هرقل بزيادات أُخر، أحببنا أن نوردها بسندها وحروفها من "الصحيح"؛ ليُعلم ما بين السياقين من التباين، وما فيها من الفوائد.

قال البخاريُّ قبل الإيمان من "صحيحه" (٥): حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، ثنا شعيب، عن الزُّهريِّ، أخبرني عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مَسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن أبا سُفْيَان أخبره أن هِرَقْلَ أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تُجَّارًا بالشام في المدَّة التي كان رسول الله مادَّ فيها أبا سفيان وكُفّار قريش، فأتوه وهم بإيليا (٦)، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الرّوم، ثم دعاهم


= خالفهم النبي في عبادة الأصنام شبّهوه به، وقيل: كان جدَّ جدِّ النبي لأمه، أرادوا: أنه نزع إليه في الشبه. عن "جامع الأصول" (١١/ ٢٧٣).
(١) بنو الأصفر: هم الروم، سمُّوا بذلك لما يعرض لألوانهم في الغالب من الصفرة. عن "جامع الأصول" (١١/ ٢٧٣).
(٢) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٤/ ٣٨٤).
(٣) الأكارون: الذين يحرثون الأرض. انظر "القاموس المحيط" (أكر).
(٤) الدَّسْكَرَة: بناء على هيئة القصر. انظر "النهاية" (٢/ ١١٧).
(٥) رقم (٧).
(٦) إيلياء: هي بيت المقدس. انظر "الروض المعطار في خبر الأقطار" للحميري ص (٦٨).