للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال عبد الله بن وهب (١)، عن يونس، عن الزُّهريِّ، حدثني عبد الرحمن بن عبد القاريُّ، أنَّ رسول الله قام ذات يومٍ على المنبر خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه وتشهَّد ثم قال: "أمَّا بعد: فإنِّي أُريد أن أبعث بعضكم إلى مُلُوك الأعاجم، فلا تختلفوا عليَّ كما اختلفت بنو إسرائيل على عيسى ابن مريم". فقال المهاجرون: يا رسول الله، إنا لا نختلف عليك في شيء أبدًا فمرنا وابعثنا. فبعث شُجَاع بن وَهْب إلى كسرى؛ فأمر كسرى بإيوانه أن يزيَّن، ثم أذن لعظماء فارس، ثم أذن لشُجَاع بن وَهْب، فلما أن دخل عليه أمرَ كسرى بكتاب رسول الله أن يقبض منه، فقال شُجَاع بن وهب: لا، حتى أدفعه أنا إليك كما أمرني رسول الله . فقال كسرى: ادنه. فدنا فناوله الكتاب، ثم دعا كاتبًا له من أهل الحيرة فقرأه، فإذا فيه: "من محمد عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس". قال: فأغضبه حين بدأ رسول الله بنفسه، وصَاح وغضب ومَزَّق الكِتَاب قبل أن يعلم ما فيه، وأمر بشُجَاع بن وهب فأُخرج، فلمَّا رأى ذلك قعد على راحلته، ثم سار، ثم قال: والله ما أُبالي على أيّ الطريقين أكون إذ أَدَّيت كتاب رسول الله . قال: ولما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث إلى شجاع ليدخل عليه، فالتُمس فلم يوجد، فطُلِبَ إلى الحيرة فسَبَق، فلما قدم شُجَاع على النبيِّ أخبره بما كان من أمر كسرى وتمزيقه لكتاب رسول الله ، فقال رسول الله : "مَزَّق كِسْرى مُلْكَهُ".

وروى محمد بن إسحاق (٢)، عن عبد الله بن أبي بكر، [عن الزُّهريِّ] عن أبي سلمة، أن رسول الله بعث عبد الله بن حذافة بكتابه إلى كسرى، فلما قرأه مزَّقه، فلما بلغ رسولَ الله قال: "مزَّق ملكه".

وقال ابن جرير (٣): ثنا أحمد بن حُمَيد، ثنا سلمة، ثنا ابن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: وبَعَثَ عبدَ الله بن حُذَافَةَ بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم إلى كسرى بن هرمز ملك فارس، وكتب معه: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سَلامٌ على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة؛ لأُنذر من كان حيًا، ويحقَّ القول على الكافرين، فإن تُسلِمْ تَسلَمْ، وإن أبيت فإن إثم المجوس عليك" (٤) قال: فلما قرأه شقَّه، وقال: يكتب إليَّ بهذا وهو عبدي؟! قال: ثم كتب كسرى إلى باذام، وهو نائبه على اليمن، أن ابعث إلى هذا الرجل


(١) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٤/ ٣٨٧).
(٢) انظر "تاريخ الطبري" (٢/ ٦٥٥).
(٣) انظر "تاريخ الطبري" (٢/ ٦٥٤).
(٤) انظر نص الرسالة ومصادرها في "إعلام السائلين عن كتب سيّد المرسلين" لابن طولون ص (٦٦) بتحقيقي، طبع مؤسسة الرسالة ببيروت.