للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٨٩] الآية. وسنتكلَّم عليها فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى.

وفي الصحيحين (١): من حديث زائدةَ، عن مَيْسرة الأشجعيِّ، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي أنه قال: "استوصُوا بالنساء خيرًا، فإنَّ المرأةَ خُلِقتْ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعلاه، فإن ذهبتَ تُقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا" لفظ البخاري.

وقد اختلف المفسرون (٢) في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البقرة: ٣٥] فقيل: هي الكَرْمُ، ورُوي عن ابن عبَّاس، وسعيد بن جُبَيْر، والشعبي، وجَعْدةَ بن هُبيرة، ومحمد بن قَيْس، والسُّدِّي، ورواه عن ابن عبَّاس، وابن مسعود، وناس من الصحابة، قال: وتزعمُ يهودُ أنَّها الحنطةُ، وهذا مرويٌّ عن ابن عبَّاس، والحسن البصري، ووهب بن منبِّه، وعطية العوفي، وأبي مالك، ومحارب بن دِثار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.

قال وهب: والحبَّةُ (٣) منه ألينُ من الزبد وأحلى من العسل.

وقال الثوريُّ: عن حُصَيْن، عن أبي مالك: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ هي النَّخْلةُ (٤).

وقال ابن جريج، عن مجاهد: هي التِّيْنةُ، وبه قال قتادةُ (٢).

وقال أبو العالية: كانت شجرةً منْ أكلَ منها أحدثَ، ولا ينبغي في الجنَّة حدَثٌ (٥).

وهذا الخلاف قريبٌ، وقد أبهمَ اللَّهُ ذِكرَها وتعيينَها، ولو كان في ذكرها مصلحةٌ تعودُ إلينا لعيَّنَها لنا، كما في غيرها من المَحالِّ التي تُبْهمُ في القرآن.

وإنما الخلافُ الذي ذكروه في أنَّ هذه الجنَّة التي أُدْخِلها آدمُ؛ هل هي في السماء (٦) أو في الأرض؟ هو الخلاف الذي ينبغي فَصْلُه والخروج منه، والجمهورُ على أنها هي التي في السماء، وهي جنَّة المأوى؛ لظاهر الآيات والأحاديث، كقوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذِهْني، وهو المستقر شرعًا من جنَّة المأوى، وكقول موسى لآدم "علامَ أخرجْتنا ونفسكَ من


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٣٣٣١) في الأنبياء، ومسلم (١٤٦٨) (٦٠) في الرضاع.
(٢) انظر تفسير الطبري (١/ ٢٦٨ - ٢٧٠) وتفسير ابن كثير (١/ ١٠٢ - ١٠٣).
(٣) في ب: والخبز، وما أثبتناه من أ، والمطبوع، والتفسير (١/ ١٠٢).
(٤) تفسير الطبري (١/ ٢٧٠).
(٥) تفسير ابن كثير (١/ ١٠٢).
(٦) في ب: السماوات.