للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): وقد بلغني أن رسول الله قال لأبي بكرٍ الصديق وهو محاصرٌ ثقيفًا: "يا أبا بكرٍ، إني رأيت أني أُهديت لي قَبعةٌ مملوءةٌ زبدًا، فنقرها دِيكٌ، فهراق ما فيها". فقال أبو بكرٍ، : ما أظنُّ أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد. فقال رسول الله : "وأنا لا أرى ذلك". قال: ثم إن خويلة بنت حكيمٍ السُّلَمية، وهي امرأة عثمان بن مظعونٍ قالت: يا رسول الله، أعطني -إن فتح الله عليك الطائف- حليَّ بادية بنت غيلان بن سلمة، أو حليَّ الفارعة بنت عقيلٍ، وكانتا من أحلى نساء ثقيفٍ، فذكر لي أن رسول الله قال لها: "وإن كان لم يؤذن في ثقيفٍ يا خويلة؟ ". فخرجت خويلة فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فدخل على رسول الله فقال: يا رسول الله، ما حديثٌ حدَّثتْنيه خويلة زعمت أنك قلته؟ قال: "قد قلته". قال: أو ما أذن فيهم؟ قال: "لا". قال: أفلا أؤذِّن بالرحيل؟ قال: "بلى". فأذَّن عمر بالرحيل، فلما استقلَّ الناس نادى سعيد بن عبيد بن أَسيد بن أبي عمرو بن علاجٍ: ألا إن الحيَّ مقيمٌ. قال: يقول عيينة بن حصنٍ: أجل، والله مَجَدةً كرامًا. فقال له رجلٌ من المسلمين: قاتلك الله يا عيينة، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله وقد جئت تنصره؟ فقال: إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفًا معكم، ولكني أردت أن يفتح محمدٌ الطائف، فأصيب من ثقيفٍ جاريةً أطؤها، لعلها تلد لي رجلًا، فإن ثقيفًا مناكير (٢).

وقد روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود (٣)، عن عُرْوَة قصة خويلة بنت حكيم، وقول رسول الله ما قال، وتأذين عمر بالرحيل، قال: وأمر رسول الله الناس أن لا يسرِّحوا ظهرهم، فلما أصبحوا ارتحل رسول الله وأصحابه، ودعا حين ركب قافلًا فقال: "اللهم اهدهم واكفنا مُؤنتهم".

وروى الترمذيُّ (٤) من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيمٍ، عن أبي الزبير، عن جابرٍ قالوا: يا رسول الله، أحرقتْنا نبال ثقيفٍ، فادع الله عليهم. فقال: "اللهم اهد ثقيفًا". ثم قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ (٥).

وروى يونس، عن ابن إسحاق (٦)، حدَّثني عبد الله بن أبي بكرٍ وعبد الله بن المكدَّم، عمن أدركوا من أهل العلم قالوا: حاصر رسول الله أهل الطائف ثلاثين ليلةً أو قريبًا من ذلك، ثم انصرفوا عنهم،


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٤٨٤).
(٢) جمع منكر، وهو الداهي الفطن.
(٣) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٥/ ١٦٨).
(٤) رواه الترمذي رقم (٣٩٤٢).
(٥) وفيه عنعنة أبي الزُّبير" فهو ضعيف. لكن رواه أحمد في مسنده (٣/ ٣٤٣) من طريق عبد الرحمن بن سابط وأبي الزبير عن جابر مقتصرًا على قوله "اللهم اهد ثقيفًا، وإسناده قوي، فيتقوى به".
(٦) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٥/ ١٦٩).