للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كُفيتمُوه. فانتهوا إليه فقَبضُوا روحَه، وغسَّلوه وحنَّطوه وكفَّنوه،، وصلَّى عليه جبريلُ ومنْ خلفَه من الملائكة، ودفنوه. وقالوا: هذه سُنَّتكم في موتاكم. وسيأتي الحديث بسنده، وتمام لفظه عند ذكر وفاة آدم .

قالوا: فلولا أنَّه كان الوصولُ إلى الجنَّة التي كان فيها آدم التي اشتهى منها القِطْفَ ممكنًا لما ذهبوا يطلبونَ ذلك، فدلَّ على أنها في الأرض لا في السماء، واللَّه تعالى أعلم.

قالوا: والاحتجاجُ بأنَّ الألفَ واللام في قوله: ﴿يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [الأعراف: ١٩] لم يتقدَّم عهد يعود عليه، فهو المعهود الذهني مُسلَّم، ولكن هو ما دلَّ عليه سياق الكلام، فإن آدمَ خُلِقَ من الأرض، ولم يُنقل أنه رُفِعَ إلى السماء، وخُلقَ ليكونَ في الأرض، وبهذا أعلمَ الربُّ، حيث قال: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: ٣٠].

قالوا: وهذا كقوله تعالى: ﴿بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ [القلم: ١٧] فالألفُ واللام ليس للعموم ولم يتقدَّم معهودٌ لفظيٌّ، وإنما هي للمعهود الذهني الذي دلَّ عليه السياق، وهو البستان.

قالوا: وذِكرُ الهبوط لا يدلُّ على النزول من السماء، قال اللَّه تعالى: ﴿قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨] الآية. وإنما كانَ في السفينة (١) حين استقرت على الجوديِّ، ونضبَ الماءُ عن وجه الأرضِ، أُمرَ أن يهبطَ إليها هو ومن معه، مباركًا عليه وعليهم، وقال اللَّه تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ﴾ [البقرة: ٦١] الآية وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٤] الآية. وفي الأحاديث واللغة من هذا كثير.

قالوا: ولا مانعَ -بل هو الواقع- أن الجنَّة التي أُسكنها آدمُ كانت مرتفعةً على سائر بقاع الأرض، ذات أشجار وثمار وظلال ونعيم ونُضْرة وسرور، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى﴾ [طه: ١١٨] أي: لا يذلُّ باطنُكَ بالجوع، ولا ظاهرُك بالعُرْي: ﴿وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى﴾ [طه: ١١٩] أي: لا يمسُّ باطنُكَ حرُّ الظمأ ولا ظاهرك حرُّ الشمس. ولهذا قرنَ بين هذا وهذا، وبين هذا وهذا؛ لما بينهما من المقابلة (٢).

فلما كان منه ما كان من أكله من الشجرة التي نُهي عنها؛ أُهبط إلى أرض الشقاء والتعب والنَّصب والكدُ (٣) والسعي والنَّكد والابتلاء والاختبار والامتحان، واختلاف السكان دِينًا وأخلاقًا وأعمالًا


(١) في نسخة: السفين.
(٢) في المطبوع: الملائمة.
(٣) كذا في الأصل، وفي المطبوع: والكَدَر.