يا رسول الله، دعني وعدوَّ الله أضرب عنقه. فقال رسول الله ﷺ: "دعه عنك، فإنه قد جاء تائبًا نازعًا". قال: فغضب كعب بن زهيرٍ على هذا الحيِّ من الأنصار لما صنع به صاحبهم؛ وذلك أنه لم يتكلَّم فيه رجلٌ من المهاجرين إلا بخيرٍ، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله ﷺ (١): [من البسيط]
بانت سُعَادُ فقلبي اليوم متبولُ … متيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مكبولُ
وما سُعاد غَدَاة البين إذ برزت … إلا أغنُّ غَضِيضُ الطَّرف مكحولُ
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت … كأنَّه مُنهلٌ بالراح معلولُ
شجَّت بذي شبمٍ من ماء محنيةٍ … صافٍ بأبطحَ أضحى وهو مشمولُ
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه … من صوب غاديةٍ بيضٌ يعاليلُ
فيا لها خلَّةٌ لو أنَّها صَدَقَتْ … بوعدها أو لوَ أنَّ النُّصْحَ مقبول
لكنَّها خلَّةٌ قد سيط من دمها … فجعٌ وولعٌ وإخلافٌ وتبديلُ
فما تدوم على حالٍ تكون بها … كما تلوَّن في أثوابها الغولُ
وما تُمسِّك بالعهد الذي زعمت … إلا كما يُمسك الماء الغرابيلُ
فلا يغرَّنْك ما منَّت وما وعدت … إن الأمانيَّ والأحلام تضليلُ
كانت مواعيدُ عرقوبٍ لها مثلًا … وما مواعيدها إلا الأباطيلُ
أرجو وآمُل أن يعجلنَ في أبدٍ … وما لهن إخال الدَّهر تعجيلُ
أمست سُعَادُ بأرضٍ لا يبلِّغها … إلا العِتاق النَّجيبات المراسيلُ
ولن يبلِّغها إلا عُذافرةٌ … فيها على الأين إرقالٌ وتبغيلُ
من كل نضَّاخة الذِّفرى إذا عرِقت … عُرضتُها طامس الأعلام مجهولُ
ترمي النِّجادَ بعيني مفردٍ لَهقٍ … إذا توقَّدت الحِزَّان والميلُ
ضخمٌ مقلَّدها فعمٌ مقيَّدها … في خلقها عن بنات الفحل تفضيلُ
حرفٌ أخوها أبوها من مُهجَّنة … وعمُّها خالها قوداء شمليلُ
يمشي القُراد عليها ثم يُزلقه … منها لَبانٌ وأقرابٌ زهاليلُ
عَيرانةٌ قذفت بالنَّحض عن عُرضٍ … مرفقها عن بنات الزَّور مفتولُ
قنواءُ في حرَّتيها للبصير بها … عِتقٌ مبينٌ وفي الخدَّين تسهيلُ
كأنَّ ما فات عينيها ومذبحها … من خطمها ومن اللَّحيين بِرطيلُ
تُمرُّ مثل عسيب النخل ذا خُصلٍ … في غارزٍ لم تخوَّنْه الأحاليلُ
(١) الأبيات في "شرح ديوانه" ص (٦ - ٢٥).