للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شمُّ العرانين أبطالٌ لَبوسهمُ … من نسج داود في الهيجا سرابيلُ

بيضٌ سوابغ قد شكَّت لها حلقٌ … كأنها حَلَق القفعاء مجدولُ

ليسوا مفاريح إن نالت رماحهمُ … قومًا وليسوا مجازيعًا إذا نيلوا

لا يقع الطَّعن إلا في نحورهمُ … وما لهم عن حياض الموت تهليلُ

هكذا أورد محمد بن إسحاق هذه القصيدة، ولم يذكر لها إسنادًا.

وقد رواها الحافظ البيهقيُّ في "دلائل النبوة" (١) بإسنادٍ متصلٍ، فقال: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الأسديُّ بِهمْدان، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميُّ، ثنا الحجَّاج ابن ذي الرُّقيبة -بن عبد الرحمن- بن كعب بن زهير بن أبي سُلْمى، عن أبيه، عن جدِّه قال: خرج كعبٌ وبجيرٌ ابنا زهيرٍ حتى أتيا أبرق العَزَّاف، فقال بجيرٌ لكعبٍ: اثبت في هذا المكان حتى آتي -هذا الرجل- يعني رسول الله فأستمع ما يقول. فثبت كعبٌ، وخرج بجيرٌ فجاء رسول الله ، فعرض عليه الإسلام، فبلغ ذلك كعبًا فقال: [من الطويل]

ألا أبلغا عني بُجيرًا رسالةً … على أي شيءٍ ويب غيرك دلَّكا

على خُلُقٍ لم نلف أمًّا ولا أبًا … عليه ولم تدرك عليه أخًا لكا

سقاك أبو بكرٍ بكأسٍ رويَّةٍ … وأنهلك المأمون منها وعلَّكا

فلما بلغت الأبيات رسول الله أَهْدَرَ دمه، وقال: "مَنْ لَقِي كعبًا فليقتله". فكتب بذلك بجيرٌ إلى أخيه، وذكر له أن رسول الله قد أهدر دمه، ويقول له: النَّجاء وما أراك تنفلت. ثم كتب إليه بعد ذلك: اعلم أنَّ رسول الله لا يأتيه أحدٌ يشهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، إلا قبل ذلك منه وأسقط ما كان قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي هذا، فأسلم وأقبل. قال: فأسلم كعبٌ، وقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله ، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله ، ثم دخل المسجد ورسول الله مع أصحابه كالمائدة بين القوم، متحلِّقون معه حلقةً خلف حلقةٍ، يلتفت إلى هؤلاء مرةً فيحدِّثهم، وإلى هؤلاء مرةً فيحدِّثهم. قال كعبٌ: فأنخت راحلتي بباب المسجد [ثم دخلت المسجد] فعرفت رسول الله بالصِّفة، فتخطَّيت حتى جلست إليه، فأسلمت وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك محمدٌ رسول الله، الأمان يا رسول الله. قال: "ومن أنت؟ " قلت: كعب بن زهيرٍ. قال: "الذي يقول". ثم التَفَتَ رسول الله [إلى أبي بكرٍ] فقال: "كيف قال يا أبا بكرٍ؟ " فأنشده أبو بكرٍ: [من الطويل]

سَقَاكَ أبو بكرٍ بكأسٍ رَويَّةٍ … وأنهلك المأمور منها وعلَّكَا


(١) (٥/ ٢٠٧ - ٢٠٩) وما بين الحاصرتين في النقل زيادة منه، وفي إسنادها ضعف.