للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسلام كلها، ينشُدُهُ عند كل فريضةٍ منها، كما ينشده في التي قبلَها، حتى إذا فرغَ قال: فإنّي أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، وسأؤدِّي هذه الفرائض، وأجتنبُ ما نهيتَني عنه، ثم لا أزيدُ ولا أنقُصُ. ثم انصرفَ إلى بعيره راجعًا. قال: فقال رسولُ الله : "إن صَدَقَ ذو العَقِيصَتَيْنِ دخلَ الجنة". قال: فأتى بعيره، فأطْلَق عِقَالة، ثم خرجَ حتى قدم، على قومه، فاجتمعوا إليه فكان أولَ ما تكلَّمَ أنّ قالَ: بئسَتِ اللاتُ والعُزّى. فقالوا: مَهْ يا ضِمام، اتَّقِ البَرَصَ، اتّقَ الجُذامَ، اتّقِ الجُنونَ. فقال: ويلَكُم، إنّهما واللهِ لا يَضُران ولا يَنْفَعان، إن الله قد بعثَ رسولًا، وأنزلَ عليه كتابًا استنقَذكُمْ به مما كنتم فيه، وإنّي أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأن محمدًا عبدُه ورسولُه، وقد جئتكُم من عنده بما أمَركُمْ به وما نَهاكُمْ عنه. قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا. قال: يقول ابن عباس فما سَمِعْنا بوافدِ قوم كانَ أفضلَ من ضِمام بن ثعلبة.

وهكذا رواه الإمام أحمد (١)، عن يعقوب بن إبراهيم الزهري، عن أبيه، عن ابن إسحاق فذكره.

وقد روى هذا الحديث أبو داود (٢) من طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن سلمة بن كُهيل، ومحمد بن الوليد بن نُويفع، عن كُريب، عن ابن عباس بنحوه.

وفي هذا السياق ما يدل على أنه رجع إلى قومه قبل الفتح، لأن العُزّى خَرَّبَها خالدُ بن الوليد أيام الفتح!

وقد قال الواقدي (٣): حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة، عن شَريك بن عبد الله بن أبي نَمِرٍ، عن كُريب، عن ابن عباس. قال: بعثَتْ بنو سَعْدِ بن بَكْرِ في رجب سنة خمس ضِمام بن ثعلبة، وكان جَلْدًا أشعر ذا غدِيرتين، وافدًا إلى رسول الله ، فأقبل حتى وقف على رسول الله ، فسأله فأغلظ في المسألة، سأله عمن أرسله، وبمَ أرسله، وسأله عن شرائع الإسلام، فأجابه رسول الله في ذلك كلِّه، فرجع إلى قومه مسلمًا قد خلع الأنداد، فأخبرهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فما أمسى في ذلك اليوم في حاضره رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مسلمًا، وبنوا المساجدَ وأذّنوا بالصلاةِ.

وقال الإمام أحمد (٤): حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا سليمان -يعني ابن المغيرة-، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كنا نُهينا أن نسأل رسول الله عن شيء، فكان يُعْجبنا أن يجيء الرجلُ من أهل البادية العاقلُ يسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أنَّكَ تزعمُ أنّ الله أرسلَكَ. قال: "صدق". قال: فمن خلقَ السماوات؟ قال: "الله". قال: فمن


(١) مسند الإمام أحمد (١/ ٢٦٤ - ٢٦٥) وهو حديث حسن.
(٢) أبو داود رقم (٤٨٧)، وهو حديث حسن.
(٣) طبقات ابن سعد (١/ ٢٩٩) عن الواقدي.
(٤) مسند الإمام أحمد (٣/ ١٤٣).