للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا وأمثاله مما يدل على تكرار وفود الجن إلى مكة، وقد قرَّرنا ذلك هنالك بما فيه كفاية، ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق.

وقد أوردَ الحافظُ أبو بكر البيهقي (١) ها هنا حديثًا غريبًا جدًا بل منكرًا، أو موضوعًا، ولكنَّ مخرجه عزيزٌ، أحْببنا أن نوردَه كما أوردَه، والعجبُ منه فإنَّه قال في "دلائل النبوة": باب قُدومِ هامة بن الهَيْم (٢) بن لاقيس بن إبليس على النبيِّ وإسلامه. أخبرنا أبو الحسن (٣) محمد بن الحسين بن داود العَلَوي ، أنبأنا أبو نصر محمد بن حَمْدَوَيْه بن سهلٍ الفَازِيّ (٤) المروزي، حدّثنا عبد الله بن حماد الآمُلي، حدّثنا محمد بن أبي معشر، أخبرني أبي، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال عمر :

بينا نحن قعودٌ مع النبي على جبلٍ من جبال تِهامة، إذ أقبل شيخٌ بيده عصًا فسلّم على النبي ، فردّ، ثم قال: "نَغْمَةُ جنٍّ وغَمْغَمَتُهُم. من أنت؟ " قال: أنا هامة بن الهَيم بن لاقيس بن إبليس، فقال النبي : "فما بينك وبين إبليس إلّا أبوان. فكم أتى عليك (٥) من الدهر؟ " قال: قد أفنيتُ الدنيا عمرَها إلا قليلًا، ليالي قتل قابيلُ هابيلَ كنت غلامًا ابن أعوام، أفهَمُ الكلامَ، وأمرُّ بالآكام، وآمر بإفساد الطَّعام وقطيعة الأرحام، فقال رسول الله : "بئس عمل الشيخ المتوسِّم، والشاب المتلوِّم (٦) " قال: ذرني من الترداد، إنّي تائبٌ إلى الله ﷿، إنّي كنتُ مع نوحٍ في مسجدِه مع مَنْ آمن به من قومه، فلم أزل أعاتبُه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني، وقال: لا جرم، إنّي على ذلك من النادمين، وأعوذُ بالله أن أكون من الجاهلين، قال: قلت: يا نوح، إني كنت ممن اشترك في دم السّعيد الشّهيد هابيلَ بن آدم، فهل تجد لي عندك (٧) توبة؟ قال: يا هامُ، هُمَّ بالخير، وافعله قبل الحسرة والندامة، إني قرأت فيما أنزل الله عليَّ أنَّه ليس من عبد تاب إلى الله بالغٌ أمرُه ما بلغَ إلا تابَ الله عليه، قُمْ، فَتَوضَّأْ، واسْجُدْ لله سَجْدَتَيْنِ. قال: ففعلتُ من ساعَتي ما أمرني به، فناداني: ارفَعْ رَأسَكَ، فقد نَزَلَتْ توبتُكَ من السَّماءَ، فَخَرَرْتُ لله ساجدًا. قال: وكنتُ مع هودٍ في مسجده، مع منْ آمنَ به من قومه، فلم أزَلْ


(١) دلائل النبوة (٥/ ٤١٨ - ٤٢٠).
(٢) أ: (الهيم)، وط: (الهيثم) وفي الإصابة (٣/ ٥٩٤) (هامة بن أهيم) وما أثبته عن "دلائل النبوة" مصدر المؤلف.
(٣) في دلائل النبوة: (أبو الحسين) وهو تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (١٧/ ٩٨).
(٤) أ، ط: (القادي) تحريف. انظر سير أعلام النبلاء (١٥/ ٨٠) وفيه (الفازي نسبة إلى قرية فاز وبعضهم يقول الغازي). وفاز، بلدة بنواحي مرو (معجم البلدان: فاز).
(٥) ط: (لك).
(٦) المتوسم: المتحلي بسمة الشيوخ (النهاية: وسم) المتلومِّ: المتعرِّض للأئمة في الفعل السّيِّء. ويجوز أن يكون من اللؤمة وهي الحاجة، أي المنتظر لقضائها (النهاية: لوم).
(٧) في دلائل النبوة "عند ربك".