للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا رسولَ الله يَنْطَلِقون (١) بحجٍّ وعمرةٍ، وأنطلقُ بحجٍّ؟! فبعثها (٢) مع أخيها عبد الرحمن بن أبي بكر فأَعْمَرَها من التَّنْعيم ولم يُذْكَرْ أنَّه اعتمر بعد حجته، فلم يكن مُفْردًا. فعُلم أنه كان قارنًا، لأنه كان باتّفاقِ النّاس قد اعتمر في حجة الوداع، والله أعلم.

وقد تقدم ما رواه الحافظُ البيهقيُّ (٣) من طريق يزيد بن هارون، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب: أنّه قال: اعتمرَ رسولُ الله ثلاث عُمَرٍ كلُّهن في ذي القعدة، فقالت عائشة: لقد علم أنه اعتمر أربع عُمَرٍ بعُمرته التي حَجَّ معها. وقال البيهقي (٤) في الخلافيات (٥): أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا أبو محمد بن حَيَّان (٦) الأصبهاني، أنبأنا إبراهيم بن شَريك، أنبأنا أحمد بن يونس، حدّثنا زهير، حدّثنا أبو إسحاق، عن مجاهد، قال: سُئِل ابنُ عُمَر: كَمِ اعْتَمَرَ رسولُ الله ؟ فقال: مرَّتين. فقالت عائشة: لقد علمَ ابنُ عمر أنَّ رسول الله اعتَمَر ثلاثًا سوى العُمْرةِ التي قَرَنها مع حجةِ الوداع. ثم قال البيهقي: وهذا إسنادٌ لا بأسَ به، لكن فيه إرسال - مجاهد لم يسمعْ من عائشة في قول بعض المحدثين.

قلتُ: كان شعبة يُنْكِره. وأما البُخاري ومُسلم فإنهما أثبتاه، والله أعلم.

وقد روي (٧) من حديث القاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر وعروة بن الزبير وغير واحد، عن عائشة أنَّ رسول الله كان معه الهَدْيُ عامَ حجّةِ الوَداعِ، وفي إعمارها من التَّنْعيم ومصادقتها له منهبطًا على أهل مكة وبيتوته (٨) بالمُحَصَّب حتى صلَّى الصُّبحَ بمكة ثم رجع إلى المدينة. وهذا كله مما يدلُّ على أنه لم يعتمر بعد حجّته تلك، ولم أعلمْ أحدًا من الصحابة نقله. ومعلومٌ أنه لم يَتَحَلَّلْ بين النُّسْكَيْن، ولا روى أحدٌ أنه بعد طوافه بالبيت، وسعيه بينَ الصّفا والمَرْوة حَلَقَ ولا قصَّر ولا تَحَلَّل، بل استمرّ على إحرامه باتفاق، ولم يُنقل أنه أهلَّ بحجٍ لما سار إلى منىً، فعُلم أنّه لم يكن مُتَمتِّعًا. وقد اتفقوا على أنه اعتمرَ عامَ حجةِ الوداعِ فلم يَتَحَلَّلْ بين النُّسْكَيْن، ولا أنشأ إحرامًا للحجّ، ولا اعتمرَ بعد الحجِّ، فلزم القِرَانُ، وهذا مما يَعْسُرُ الجوابُ عنه، والله أعلم.


(١) أ: (تنطلقون).
(٢) أ: (مبعثها).
(٣) رواه البيهقي (٥/ ١١) (٨٦٢٢).
(٤) رواه البيهقي (٥/ ١٠) (٨٦١٦).
(٥) أ: (الخلافات) تحريف.
(٦) في ط: "حبان"، وهو تصحيف، وهو أبو محمد بن حيَّان المعروف بأبي الشيخ صاحب "طبقات المحدثين بأصبهان" المتوفى سنة ٣٦٩ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (١٦/ ٢٧٦).
(٧) رواه البخاري رقم (١٥٦٠) و (١٥٦١) و (١٥٦٢) ومسلم رقم (١٢١١) (١١٩) و (١١٨) و (١٢٥).
(٨) ليس اللفظ في ط.