للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالسوء الذي أراد منه أخوه مثلَه، ولهذا ثبتَ في الصحيحين (١): عن رسول اللَّه ؛ أنه قال: "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النَّار". قالوا: يا رسول اللَّه! هذا القاتلُ فما بالُ المقتول؟ قال: "إنَّه كانَ حريصًا على قتلِ صاحبه".

وقوله: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: ٢٩] أي: إني أُريدُ تركَ مقاتلتكَ، وإنْ كنتُ أشدَّ منكَ وأقوى، وإذ قد عزمتَ على ما عزمتَ عليه أن تبوءَ بإثمي وإثمكَ، أي: تتحمَّلُ إثمَ قتلي مع مالكَ من الآثام المتقدِّمة قبل ذلك. قاله مجاهد، والسُّدِّي، وابن جرير، وغيرُ واحد.

وليس المرادُ أنَّ آثام المقتول تتحوَّل بمجرد قتلهِ إلى القاتل، كما قد توهَّمه بعضُ الناس، فإنَّ ابنَ جرير حكى الإجماع على خلاف ذلك.

وأما الحديث الذي يُورده بعضُ من لا يعلم، عن النبيِّ أنه قال: "ما تركَ القاتلُ على المقتول من ذنبٍ" فلا أصلَ له ولا يُعرف في شيء من كتب الحديث بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف أيضًا (٢). ولكن فد يتفق في بعض الأشخاص يومَ القيامة أن (٣) يُطالب المقتولُ القاتلَ، فتكونُ حسناتُ القاتل لا تفي بهذه المظلمة، فتُحوَّلُ من سيِّئات المقتول إلى القاتل، كما ثبتَ به الحديث الصحيح في سائر المظالم، والقتل من أعظمها، واللَّه أعلم. وقد حرَّرنا هذا كله في التفسير (٤) وللَّه الحمد.

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي (٥): عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال عند فتنة عثمان بن عفان: أشهدُ أنَّ رسولَ اللَّه قال: إنها ستكون فتنة القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي" قال: أفرأيتَ إن دخل عليّ بيتي فبسطَ يدَه إليَّ ليقتلني؟ قال: كن كابن آدم.

ورواه ابن مردويه: عن حذيفة بن اليمان مرفوعًا، وقال: "كن كخير ابني آدم" (٦).


(١) البخاري (٦٨٧٥) في الديات، ومسلم (٢٨٨٨) في الفتن.
(٢) وانظره في كشف الخفاء (٢/ ٢٥٨) والمقاصد الحسنة (٩٥٠) والأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (٧٧٩).
(٣) سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
(٤) انظر تفسير ابن كثير (٢/ ٥٨).
(٥) أخرجه أحمد في المسند (١/ ١٦٩ و ١٨٥) وأبو داود (٤٢٥٧) في الفتن والملاحم، والترمذي (٢١٩٤) في الفتن.
(٦) أخرجه ابن مردويه كما في الدر المثور (٣/ ٥٩) وانظره بتمامه في تفسير ابن كثير (٢/ ٥٨).