للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإجلاسه له مع مشايخ بَدْرٍ، فقالَ: إنّه من حيث تعلمون، ثم سألهم وابنُ عَبّاس حاضرٌ عن تَفْسير هذه السورة: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر: ١ - ٣] فقالوا: أُمِرْنا إذا فُتحَ لنا أن نَذْكُرَ اللَّه ونحمدَه ونستغفرَه. فقال: ما تقول يا بنَ عبّاسٍ؟ فقال: هو أجلُ رسولِ اللَّه نُعِيَ إليه. فقال عمر: لا أعلمُ منها إلا ما تَعْلَم (١). وقد ذكرنا في تَفْسير هذه السُّورة ما يدُلُّ على قولِ ابنِ عبّاسٍ من وجوهٍ، وإن كان لا يُنافي ما فسر به الصَّحابةُ أيضًا (٢) .

وكذلك ما رواه الإمام أحمد (٣): حدَّثنا وَكيعٌ، عن ابن أبي ذِئْبٍ، عن صالح مولى التَّوْأمة، عن أبي هريرة: أنَّ رسولَ اللَّه لمّا حجّ بنسائِه، قال: "إنما هي هذه الحجَّة، ثم الْزَمْنَ ظُهورَ الحُصُرِ". تَفَرَّدَ به أحمد من هذا الوجه. وقد رواه أبو داود (٤) في "سننه" من وجهٍ آخرَ جيّدٍ.

والمَقْصودُ أنَّ النُّفوسَ اسْتَشْعرَتْ بوفاته ، في هذه السنة، ونحن نَذْكُرُ ذلك، ونُوردُ ما رُويَ فيما يَتَعَلَّقُ به من الأحاديث والآثار، وباللَّهِ المُسْتَعان، ولْنُقَدِّمْ على ذلك ما ذَكَرَهُ الأئِمَةُ محمد بن إسحاق بن يَسار، وأبو جعفر بن جرير، وأبو بكر البيهقي، في هذا الموضع قبلَ الوفاةِ من تَعدادِ حججه وغَزَواتِه وسَراياه وكُتبه ورسله إلى الملوك، فلْنَذْكُرْ ذلك مُلَخَّصًا مُخْتَصرًا، ثم نُتْبِعُه بالوفاةِ.

ففي "الصحيحين" (٥) من حديث أبي إسحاق السَّبيعي، عن زيد بن أرْقَم: أنَّ رسولَ اللَّه غَزا تِسْعَ عَشْرَةً (٦) غَزْوةً، وحجَّ بعدَ ما هاجر حجَّة (٧) الوداع، ولم يحجّ بعدها. قال أبو إسحاق: وواحدة بمكة. كذا قال أبو إسحاق السَّبيعي.

وقد قال زيد بن الحُباب (٨)، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أنَّ رسولَ اللَّه حَجَّ ثلاثَ حَجّاتٍ، حَجَّتَيْن قبلَ أنْ يُهاجِر، وواحدة بعدَما هاجرَ، مَعَها عُمْرَة، وساق ستًا وثلاثين بَدَنَةً، وجاء عليٌّ بتمامها من اليمن.

وقد قدَّمنا عن غير واحدٍ من الصحابة، منهم أنسُ بن مالكٍ في "الصحيحين" أنه :


(١) أخرجه البخاري في علامات النبوة (٣٦٢٧) وفي المغازي (٤٢٩٤) و (٤٤٣٠) وفي التفسير (٤٩٧٠) (بشار).
(٢) ليس اللفظ في ط.
(٣) مسند الإمام أحمد (٢/ ٤٤٦).
(٤) أبو داود (١٧٢٢).
(٥) البخاري (٤٤٠٤) ومسلم (١٢٥٤).
(٦) أ: (تسعة عشرة) خطأ.
(٧) ليس اللفظ في ط.
(٨) دلائل النبوة للبيهقي (٥/ ٤٥٤).