للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في بيتِ ابنتِه عائشة، فأَذِنَت له فدخَل، ورسول اللَّه قد تُوفّي على الفراش والنِّسوة حوله، فخَمَّرْنَ وُجوهَهُنَّ، واسْتَتَرْنَ من أبي بكرٍ إِلَّا ما كان من عائشة، فكشفَ عن رسول اللَّه ، فجَثَى عليه يُقَبِّلُه، ويبكي ويقولُ: ليس ما يقولُه ابنُ الخطاب شيئًا، تُوفِّي رسولُ اللَّه والذي نَفْسي بيده، رحمة اللَّه عليك يا رسول اللَّه، ما أطيَبَكَ حيًّا وميِّتًا. ثم غَشَّاه بالثوب، ثم خرجَ سَريعًا إلى المسجد يَتَخَطَّى رِقابَ النّاس، حتى أتى المنبرَ، وجلَسَ عمرُ حينَ رأى أبا بكرٍ مُقْبلًا إليه، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر، ونادى النَّاسَ فجلسوا وأنْصَتوا، فَتَشهَّد أبو بكر بما علمه من التَّشهُّد، وقال: إنَّ اللَّه ﷿ نَعَى نبيَّه إلى نفسه، وهو حَيّ بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، وهو الموتُ حتى لا يَبْقى منكم أحدٌ إِلَّا اللَّه ﷿. قال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] الآية فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ واللَّه ما علمتُ أنَّ هذه الآية أُنْزلت قبل اليوم. وقد قال اللَّه تعالى لمحمد : ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر: ٣٠] وقال اللَّه تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٨٨] وقال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧]، وقال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران: ١٨٥]، وقال: إنَّ اللَّه عمَّر محمدًا وأبقاه حتى أقام دين اللَّه، وأظهر أمر اللَّه وبلغ رسالة اللَّه، وجاهد في سبيل اللَّه، ثم توفاه اللَّه على ذلك، وقد ترككم على الطريقة، فلن يَهْلِكَ هالكٌ إِلَّا من بعد البيِّنة والشفاء، فمَنْ كانَ اللَّهُ ربَّه فإنَّ اللَّه حيٌّ لا يموتُ، ومنْ كانَ يَعْبُدُ محمدًا، ويُنَزّله إلهًا فقد هَلَكَ إلهه، فاتقَّوا اللَّه أيها الناس، واعْتَصموا بدينكم، وتوكّلوا على ربكم، فإن دينَ اللَّهِ قائمٌ، وإنَّ كلمةَ اللَّهِ تامةٌ، وإن اللَّهَ ناصرٌ منْ نَصَرَه، ومعزٌّ دينَه، وإنَّ كتاب اللَّه بين أظْهُرنا، وهو النورُ والشِّفاءُ، وله هَدَى اللَّه محمدًا ، وفيه حَلالُ اللَّهِ وحرامُه، واللَّهِ لا نُبالي منْ أجْلَبَ علينا من خَلْق اللَّه، إنّ سُيوف اللَّهِ لَمَسْلولةٌ ما وَضَعْناها بعدُ، ولنُجاهِدَنَّ منْ خالفنا كما جاهدنا مع رسول اللَّه ، فلا يُبْقِيَنَّ (١) أحدٌ إِلَّا على نَفْسِهِ. ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول اللَّه . فذكر الحديثَ في غُسْلِه وتَكْفينه والصَّلاةِ عليه ودفنه.

قلتُ: كما سنذكُرُه مُفَصَّلًا بدلائله وشواهده، إن شاء اللَّه تعالى.

وذكر الواقديُّ عن شُيوخه. قالوا: ولَمَّا شُكَّ في موتِ النَّبِيِّ فقال بعضهم: مات. وقال بعضهم: لم يمت-، وَضَعَتْ أسماءُ بنتُ عُمَيْس يَدَها بين كَتْفي رسول اللَّه . (فقالت: قد توفي رسول اللَّه ) (٢) وقد رفع الخاتمُ من بين كَتِفيْه. فكان هذا الذي قد عُرِفَ به موته. هكذا (٣) أوردَهُ


(١) ط: (يبغين).
(٢) ليس ما بين القوسين في أ.
(٣) ط: (وهكذا).