للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر ابن جرير وغيره: أنَّ الطُّوفانَ كان في ثالث عشر شهر آبٍ في حمارَّه (١) القيظ. وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ [الحاقة: ١١] أي: السفينة. ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [الحاقة: ١٢].

قال جماعة من المفسرين: ارتفعَ الماءُ على أعلى جبل بالأرض خمسةَ عشرَ ذراعًا، وهو الذي عند أهل الكتاب، وقيل: ثمانين ذراعًا. وعمَّ جميعَ الأرض طولَها والعرضَ، سهلَها وحَزْنَها (٢) وجبالَها وقِفارها ورِمالها. ولم يبقَ على وجَه الأرض ممن كان بها من الأحياء عينٌ تَطْرُفُ، ولا صغيرٌ ولا كبير.

قال الإمام مالك: عن زيد بن أسلم؛ كان أهلُ ذلك الزمان قد مَلؤوا السَّهلَ والجبلَ. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لم تكنْ بقعةٌ في الأرض إلا ولها مالكٌ وحائز؛ رواهما ابن أبي حاتم (٣).

﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (٤٢) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: ٤٢ - ٤٣].

وهذا الابن هو يام، أخو سام وحام ويافث. وقيل: اسمه كنعان. وكان كافرًا عَمِلَ (٤) عملًا غير صالح، فخالفَ أباه في دينه ومذهبهِ فهلكَ مع من هَلَك. هذا وقد نجا مع أبيه الأجانبُ في النسب لما كانوا موافقينَ في الدِّين والمذهب.

﴿وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ٤٤]. أي: لما فرغَ من أهل الأرض ولم يبق منها أحدٌ ممن عبد غيرَ اللَّه ﷿، أمرَ اللَّه الأرضَ أن تبلعَ ماءَها، وأمرَ السَّماءَ أنْ تُقْلعَ، أي: تُمْسكَ عن المطر ﴿وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ أي: نقصَ عمَّا كان ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي: وقعَ بهم الذي كان قد سبقَ في عِلْمه وقَدره، من إحلاله بهم ما حلَّ بهم ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ أي: نُودي عليهم بلِسان القُدْرة (٥): بعدًا لهمل من الرحمة والمغفرة، كما قال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٤] وقال تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [يونس: ٧٣]. وقال تعالى: ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٧] وقال تعالى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (١٢٠)


(١) في المطبوع: في حساب القبط. وحمَارَّة القيظ: شدَّة حره، وقد تُخفَّف الراء.
(٢) "حَزْنها": ما خشن من الأرض وغلظ.
(٣) كما في الدر المنثور (٤/ ٤٢٧).
(٤) في أ: وكان كافرًا عملًا غير صالح.
(٥) في أ: القَدَر.