للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت قد استقرَّتْ بعد سيرها العظيم على ظهر جَبَلِ (١) الجوديِّ. وهو جبلٌ بأرضِ الجزيرة مشهورٌ، وقد قدَّمنا ذكرَه عند خَلْقِ الجبال ﴿اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا﴾ أي: اهبطْ سالمًا مباركًا عليك وعلى أمم ممن سيولد بعد أيٍّ من أولادك، فإن اللَّه لم يجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلًا ولا عَقِبًا سوى نوح ، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ﴾ [الصافات: ٧٧] فكلُّ منْ على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم ينتسبون (٢) إلى أولاد نوح الثلاثة، وهم: سام، وحام، ويافث.

قال الإمام [أحمد] (٣): حدَّثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سَمُرة؛ أنَّ النبيَّ قال: "سَامٌ أبو العرب، وحَامٌ أبو الحبش، ويافثُ أبو الروم".

ورواه الترمذيُّ (٤): عن بشر بن مُعاذ العَقَديّ، عن يزيدَ بن زُرَيْع، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قَتادة، عن الحسن، عن سَمُرة مرفوعًا، نحوه.

وقال الشيخ أبو عمر (٥) بن عبد البر: وقد روي عن عمران بن حُصَيْن، عن النبي ، مثله. قال: والمرادُ بالروم هنا الرومُ الأوَلُ، وهم: اليونان المنتسبون إلى رومي بن لبطي بن يُونان بن يافث بن نوح . ثم رَوَى من حديث إسماعيل بن عيَّاش، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أنه قال: ولدَ نوحٌ ثلاثةً: سام، ويافث، وحام. وولدَ كلُّ واحدٍ من هذه الثلاثة ثلاثةً، فولدَ سامُ العربَ، وفارسَ والرُّومَ. وولدَ يافثُ التُّركَ والسَّقالبةَ ويأجوجَ ومأجوجَ. وولدَ حامُ القِبْطَ والسُّودان والبَرْبر.

قلت: وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده (٦): حدَّثنا إبراهيم بن هانئ وأحمدُ بن الحُسين بن عبَّاد -أبو العبَّاس- قالا: حدَّثنا محمَّد بن يزيد بن سنان الرَّهاوي، حدَّثني أبي، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المُسيِّب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه : "وُلدَ لنوحٍ: سام، وحام، ويافث. فوُلد لسامٍ: العربُ وفارسُ، والرومُ، والخيرُ فيهم. ووُلد ليافث: يأجوجُ ومأجوجُ، والتُّركُ والسَّقَالبة، ولا خير فيهم. وَوُلد لحام: القِبْطُ، والبَرْبرُ والسُّودان" ثم قال: لا نعلم يُروى مرفوعًا إلا من هذا الوجه، تفرَّد به محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه، وقد حدَّث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه. ورواه غيرُه عن يحيى بن سعيد مرسلًا، ولم يُسنده وإنما جعلَه من قول سعيد.


(١) في أ: على ظهر الجوديّ.
(٢) في المطبوع: ينسبون.
(٣) في أ: قال الإمام، وهو في المسند (٥/ ٩ - ١١).
(٤) في الجامع (٣٢٣١) في التفسير، و (٣٩٣١) في المناقب، وقال: هذا حديث حسن.
(٥) في أ: عمرو؛ وهو خطأ.
(٦) كما في كشف الأستار (٢١٨).