للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخَواتيم من وَرِقٍ ولبسوها، فطرح رسول الله خاتَمه، فطرح الناسُ خواتيمهم، ثم علقه البخاري، عن إبراهيم بن سعد الزهري المدني، وشُعَيْب بن أبي حَمْزة، وزياد بن سعد الخراساني، وأخرجه مسلم (١) من حديثه، وانفرد أبو داود بعبد الرحمن بن خالد بن مُسافر، كلُّهم عن الزهري، كما قال أبو داود: خاتمًا من وَرِق.

والصحيح أنَّ الذي لبسه يومًا واحدًا ثم رمى به، إنما هو خاتم الذهب، لا خاتم الورِق، لما ثبت في "الصحيحين" (٢) عن مالك عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله يلبس خاتمًا من ذهب، فنبذه وقال: لا ألْبَسُهُ أبدًا، فَنَبَذَ الناسُ خَواتيمَهُم. وقد كان خاتمُ الفضَّة يلبَسُهُ كَثيرًا، ولم يَزَلْ في يده حتى تُوُفِّي صلوات والله وسلامه عليه، وكان فصُّه منه، يعني: ليسَ فيه فصٌّ يَنْفَصِل عنه، ومَنْ رَوَى أنّه كانَ فيه صورةُ شخصٍ فقد أبْعَدَ وأخْطَأَ، بل كان فِضَّةً كلُّه، وفصُّه منه، ونَقْشُه محمد رسول الله، ثلاثة أسطر: "محمد" سطر، "رسول" سطر، "الله" سطر. وكأنه، والله أعلم، كان منقوشًا، وكتابتُه مقلوبةٌ ليُطْبَعَ على الاستقامة. كما جرت العادة بهذا، وقد قيل: إنّ كتابتَه كانت مُسْتقيمةً، وتُطْبَعُ كذلك، وفي صحة هذا نظرٌ، ولستُ أعرفُ لذلك إسنادًا لا صحيحًا ولا ضعيفًا.

وهذه الأحاديثُ التي أوْرَدْناها أنَّه ، كان له خاتمٌ من فِضَّةٍ، تَرُدُّ الأحاديثَ التي قَدَّمناها في سُنَنَيْ أبي داود (٣) والنسائي (٤) من طريق أبي عَتّاب سَهْل بن حمادٍ الدَّلّال، عن أبي مَكينٍ نوحِ بن رَبيعةَ، عن إياسِ بنِ الحارثِ بن مُعَيْقيب بن أبي فاطمة، عن جدِّه، قال: كان خاتَمُ النبيِّ من حَديدٍ، مَلْويٌّ عليه فِضَّةٌ، ومما يزيدُه ضَعفًا الحديثُ الذي رواه أحمد (٥) وأبو داود (٦) والتّرْمذي (٧) والنّسائي (٨) من حديث أبي طَيْبَةَ عبدِ الله بن مسلم السُّلَمي المَرْوزي، عن عبد الله بن بُرَيْدَة، عن أبيه، أنَّ رجلًا جاء إلى رسول الله وعليه خاتَمٌ من شَبَهٍ (٩)، فقال: ما لي أجدُ منك ريحَ الأصْنامِ؟ فَطَرَحَهُ، ثم جاء وعليه خاتمٌ من حَديدٍ، فقال: ما لي أرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أهلِ النّار؟ فَطَرَحَه، ثم قال: يا رسولَ اللهِ،


(١) مسلم (٢٠٩٣).
(٢) هو في البخاري (٥٨٦٧)، أخرجه مسلم من طريق نافع عن ابن عمر بنحوه برقم (٢٠٩١).
(٣) أبو داود (٤٢٢٤)، وإسناده ضعيف.
(٤) النسائي (٥٢٢٠)، وإسناده ضعيف.
(٥) مسند أحمد (٥/ ٣٥٩).
(٦) أبو داود (٤٢٢٣)، وإسناده ضعيف بتمامه، ولبعضه شواهد.
(٧) الترمذي (١٧٨٥)، وإسناده ضعيف بتمامه، ولبعضه شواهد.
(٨) النسائي (٥٢١٠)، وإسناده ضعيف بتمامه، ولبعضه شواهد.
(٩) الشِّبْهُ والشَّبَهُ: النحاس يُصبَغُ فيَصْفَرُّ وسميّ بذلك لأنّه إذا فُعل به ذلك أشبه الذهبَ بلونه (اللسان: شبه).