للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي رواية لمسلم "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " فقلت: بلى يا رسول اللّه، قال: "فاحمد اللّه ﷿" ثم لما انقضى الشهر أمره اللّه ﷿ أن يخير أزواجه وأنزل عليه قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٨، ٢٩]. وقد ذكرنا هذا مبسوطًا في كتابنا التفسير وأنه بدأ بعائشة، فقال لها: "إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك" وتلا عليها هذه الآية، قالت: فقلت أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أختار اللّه ورسولَه والدارَ الآخرة. وكذلك قال سائر أزواجه ورضي اللّه عنهن.

وقال مُباركُ بن فَضَالة، عن الحسن، عن أنس، قال: دخلتُ على رسول اللّه وهو على سرير مَرمول (١) بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم (٢) حشوها ليف، ودخل عليه عمرُ وناسٌ من أصحابه، فانحرفَ رسول اللّه انحرافةً، فرأى عمرُ أثرَ الشريط في جنبه فبكى، فقال له: "ما يُبكيك يا عمر؟ " قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقَيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنتَ على الحال الذي أرى؟! فقال: "يا عمر! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " قال: بلى، قال: "هو كذلك". هكذا رواه البيهقي (٣).

وقال الإمام أحمد (٤): حدَّثنا أبو النضر، حدَّثنا مبارك، عن الحسن، عن انس بن مالك، قال: دخلتُ على رسول اللّه وهو على سرير مضطجع مزمل بشريط، وتحت راسه وسادة من أدم حشوها ليف، فدخل عليه نفر من أصحابه، ودخل عمر فانحرف رسول اللّه انحرافة، فلم ير عمر بين جنبه وبين الشريط ثوبًا، وقد أثر الشريط بجنب رسول اللّه، فبكى عمر، فقال له رسول اللّه : "ما يبكيك يا عمر؟ " قال: واللّه ما أبكي إلا أن أكون أعلم أنك أكرم على اللّه من كسرى وقيصر، وهما يعيشان في الدنيا فيما يعيشان فيه، وأنت يا رسول اللّه في المكان الذي أرى؟! فقال رسول اللّه: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ " قال: بلى، قال: "فإنه كذلك" (٥).


(١) "مرْمول": موصول.
(٢) "من أدم": من جلد.
(٣) دلائل النبوة؛ للبيهقي (١/ ٣٣٧) وفيه: قلت: بلى يا رسول الله. قال: "فاحمد اللّه ﷿" وذكر الحديث، وإسناده حسن من أجل مبارك بن فضالة فإنه صدوق حسن الحديث. وقد أخرج الشيخان من رواية الحسن عن أنس أحاديث.
(٤) في مسنده (٣/ ١٤٠).
(٥) وهو حديث حسن كما تقدم.