للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لهم فيه تماثيل وصور، فقالوا لي: انظر هل ترى صورةَ هذا النبيّ الذي بُعث فيكم؟ فنظرتُ فلم أرَ صورتَه، قلتُ: لا أرى صورتَه، فأدخلوني دَيرًا أكبرَ من ذلك الدَّير، فإذا فيه تماثيلُ وصورٌ أكثرُ مما في ذلك الدَّير، فقالوا لي: انظر هل ترى صورتَه؟ فنظرتُ فإذا أنا بصفة رسول اللّه وصورتِه، وإذا أنا بصفةِ أبي بكر وصورتِه، وهو آخذ بعَقب رسول اللّه . فقالوا لي: هل ترى صفتَه؟ قلتُ: نعم، قالوا: هو هذا؟ -وأشاروا إلى صفة رسول اللّه قلت: اللهم نعم، أشهدُ أنه هو. قالوا: أتعرفُ هذا الذي آخذٌ بعقبِه؟ قلتُ: نعم، قالوا: نشهدُ أن هذا صاحبُكم، وأن هذا الخليفةُ من بعده (١).

ورواه البخاري (٢) في "التاريخ"، عن محمد غير منسوب، عن محمد بن عمر هذا بإسناده، فذكره مختصرًا، وعنده فقالوا: إنه لم يكن نبيٌّ إلَّا بعدَه نبيٌّ إلَّا هذا النبيّ.

وقد ذكرنا في كتابنا "التفسير" (٣) عند قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿(١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ الآية [الأعراف: ١٥٧] ذكرنا ما أورده البيهقي وغيره، من طريق أبي أُمامةَ الباهِليّ، عن هشام بن العاص الأمويّ، بُعثتُ أنا ورجلٌ من قريش إلى هرقلَ صاحب الرومِ ندعوه إلى الإسلام، فذكرَ اجتماعهم به وأن غرفتَه تَنَغَّضَت حين ذكروا اللّه ﷿، فأنزلَهم في دار ضيافتِه ثم استدعاهم بعد ثلاث، فدعا بشيء نحو الرَّبعة العظيمة فيها بيوت صِغارٌ عليها أبواب، وإذا فيها صورُ الأنبياء ممثلة في قِطَعٍ من حرير، من آدمَ إلى محمدٍ صلواتُ اللّه عليهم أجمعين، فجعلَ يُخرج لهم واحدًا واحدًا ويُخبرهم عنه، وأخرجَ لهم صورةَ آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم تعجَّل إخراجَ صورة رسول اللّه ، قال: ثم فتح بابًا آخرَ فإذا فيها صورةٌ بيضاء، وإذا رسولُ اللّه ، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمّدٌ رسولُ اللّه، قال: وبَكينا، قال: واللّه يعلمُ أنه قامَ قائمًا ثم جلس وقال: واللّه إنه لهو؟ قلنا: نعم إنه لهو كما ننظرُ إليه، فأمسكَ ساعةً ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكني عجَّلته لكم لأنظرَ ما عندكم.

ثم ذكر تمامَ الحديث في إخراجه بقيّة صور الأنبياء وتعريفه إياهما بهم، وقال في آخره: قلنا له: من أين لك هذه الصور؟ لأنا نعلم أنها على ما صُوِّرت عليه الأنبياءُ ، لأنا رأينا صورةَ نبيّنا مثلَه، فقال: إن آدمَ سألَ ربَّه الأنبياءَ من ولدِه، فأنزلَ عليه صورَهم، فكانت في خزانة آدم عند مغرب الشمس، فاستخرجَها ذو القرنين من مغرب الشمس، فدفعَها إلى دانيال، ثم قال: أما واللّه إن نفسي طابت بالخروج من مُلكي، وأني كنتُ عبدًا لا يتركٌ (٤) ملكَه حتى أموت.


(١) دلائل النبوة؛ للبيهقي (١/ ٣٨٤ - ٣٨٥) وإسناده ضعيف.
(٢) التاريخ الكبير؛ للبخاري (١/ ١/ ١٧٩) وإسناده ضعيف.
(٣) تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير (٣/ ٥٦٤ - ٥٦٧).
(٤) في (أ) والمطبوع: وأني كنت عبدًا لأشركم ملكة. والتصحيح من دلائل النبوة.